باب ما جاء في الحامل المتوفى عنها زوجها تضع1
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا حسين بن محمد قال: حدثنا شيبان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن أبي السنابل بن بعكك قال: وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين، أو خمسة وعشرين يوما، فلما تعلت تشوفت للنكاح، فأنكر عليها، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن تفعل فقد حل أجلها» حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا الحسن بن موسى قال: حدثنا شيبان، عن منصور نحوه، وفي الباب عن أم سلمة.: «حديث أبي السنابل حديث مشهور من هذا الوجه، ولا نعرف للأسود سماعا من أبي السنابل» وسمعت محمدا يقول: «لا أعرف أن أبا السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم»، " والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن الحامل المتوفى عنها زوجها إذا وضعت فقد حل التزويج لها، وإن لم تكن انقضت عدتها، وهو قول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق " وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: تعتد آخر الأجلين والقول الأول أصح "
شرَع اللهُ تعالى العِدَّةَ للمرأةِ الَّتي تُوفِّي عنها زوجُها؛ لِحَكمٍ وأسبابٍ كثيرةٍ، ومن أهمِّ هذه الحِكَمِ والأسبابِ اسْتِبْراءُ الرَّحِمِ، فإذا كانت تلك المرأةُ حامِلًا ثمَّ وضَعَتْ حمْلَها فقد حلَّت للأزواجِ، وانتهَت عِدَّتُها.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ سُليمانُ بنُ يَسارٍ "أنَّ أبا هُريرةَ" وهو عبدُ الرَّحمنِ بن صَخرٍ الدَّوْسيُّ اليَمانِي رَضِي اللهُ عَنه، وهو مِن أكثرِ الصَّحابةِ حِفظًا ورِوايةً لأحاديثِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، "وابنَ عبَّاسٍ"، وهو عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ رَضِي اللهُ عَنهما، ابنُ عمِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وتَرجمانُ القُرآنِ، "وأبا سَلمةَ بنَ عبدِ الرَّحمنِ"، وهو ابنُ عوفٍ القرشيُّ الزُّهْريُّ، وكان مِن أفاضلِ قُرَيشٍ وعُبَّادِهم، وفُقهاءِ أهلِ المدينةِ وزُهَّادِهم، "تَذاكَروا" فيما بينَهم، "عِدَّةَ المتوفَّى عنها زوجُها"، أي: المرأةِ الَّتي مات عنها زَوجُها؛ كم تَمكُثُ في عِدَّتِها؟ وذلك عندَما "تضَعُ"، أي: حَمْلَها، "عندَ وفاةِ زوجِها؟"، أي: بعدَ وفاةِ زَوجِها، فقال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ: "تَعتَدُّ آخِرَ الأجَلَين"، أي: أقصاهُما وأبعَدُهما؛ مِن أربعةِ أشهُرٍ وعَشَرةِ أيَّامٍ، أو وَضْعِ الحملِ، وقال أبو سَلمةَ ابنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ: "بل تَحِلُّ" للأزواجِ وتَنتهي عِدَّتُها، "حينَ تضَعُ" حَمْلَها ويَنزِلُ جَنينُها، فقال أبو هُريرةَ: "أنا معَ ابنِ أخي"، أي: مع أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ، وأوافِقُه في رأيِه وقولِه، "فأرسَلوا" رجُلًا وهو كُريبٌ مَولى ابنِ عبَّاسٍ، إلى أمِّ سَلمةَ زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وأُمِّ المؤمنين رَضِي اللهُ عَنها، فسأَلها كُريبٌ عن عِدَّةِ المتوفَّى عنها زَوجُها وقد وضَعَتْ حمْلَها، فقالت أمُّ سَلمةَ مُجيبةً عن السُّؤالِ: "وضَعَتْ سُبَيعةُ الأسلَميَّةُ"، أي: حمْلَها، "بعدَ وفاةِ زَوجِها" سَعدِ بنِ خَوْلةَ، وكان قد مات بمَكَّةَ، "بيَسيرٍ" بنحوِ عِشْرينَ ليلةً، "فاستفتَتْ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أن تتَزوَّجَ بعدَما وضَعَت حمْلَها، "فأمَرها" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "أن تَتزوَّجَ" وتَنكِحَ مَن تَشاءُ ممَّن يتَقدَّمُ لخِطْبَتِها؛ لأنَّها حَلَّت للأزواجِ؛ فأجابتْ أمُّ سَلمةَ رضِيَ اللهُ عنها بأنَّ السُّنَّةَ هي ما قالَه أبو هُرَيرةَ وأبو سَلَمةَ ابنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ، وأمَّا ابنُ عبَّاسٍ فلعلَّه أخبرَ بما يَعلَمُ، أو ما فَهِمه من آيةِ القُرآن، كما في الروايةِ المتَّفقِ عليها أنَّه: "احتجَّ بقولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، وأنَّ أبا سَلمةَ قال له: يا ابنَ عبَّاسٍ، أقال اللَّهُ: آخِرَ الأجلينِ؟ أرأيتَ لو مَضتْ أربعةُ أشهرٍ وعَشرٌ، ولم تضعْ؛ أتتزوَّجُ؟" فأرسلوا إلى أمِّ سلمةَ فأخبرتْهم بخَبرِ سُبيعةَ الأسلميَّةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ عِدَّةَ الحاملِ الَّتي تُوفِّي عنها زوجُها أن تضَعَ حَمْلَها.
وفيه: مُدارَسةُ العِلمِ ومُذاكَرتُه.
وفيه: الرُّجوعُ إلى العُلماءِ عِندَ الاختِلافِ.
وفيه: فَضلُ أمِّ سَلمةَ رضِيَ اللهُ عنها وبيانُ عِلمِها .