باب ما جاء في قول الله تعالى {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض
بطاقات دعوية
عن أنس رضي الله عنه قال: قدم [علينا 6/ 142] عبد الرحمن بن
عوف المدينة (وفي رواية: لما قدموا المدينة، نزل المهاجرون على الأنصار، فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع 5/ 142)، فآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وكان سعد ذا غنى [وعنده امرأتان 118/ 6]، فقال لعبد الرحمن: [قد علمت الأنصار أني من أكثرهم مالا سـ 4/ 222] أقاسمك مالي نصفين، وأزوجك (وفي رواية: ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك، فأطلقها، حتى إذا حلت تزوجتها). قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، [فأتى السوق]، فما رجع حتى استفضل (8) أقطا وسمنا، فأتى به أهل منزله، فمكثنايسيرا، أو ما شاء الله، فجاء، (وفي رواية: فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أيام)، وعليه وضر (9) (وفي رواية: أثر 6/ 139) من صفرة، (وفي رواية: بشاشة العرس 6/ 137)، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مهيم [يا عبد الرحمن؟ " 4/ 268] قال: يا رسول الله! تزوجت امرأة من الأنصار، قال: "ما سقت إليها؟ "، قال: [زنة] نواة من ذهب، أو وزن نواة من ذهب، قال:
" [بارك الله لك]، أولم ولو بشاة".
حَثَّ الشَّرعُ الإسلاميُّ المطهَّرُ المسلِمَ على التَّعفُّفِ والعمَلِ وعدَمِ التَّسوُّلِ، أو الاعتمادِ على الصَّدَقاتِ؛ لأنَّ المسلِمَ يَنْبغي له أنْ يَحفَظَ كَرامتَه وهَيبتَه، ولا يُرِيقَ ماءَ وَجْهِه للنَّاسِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا هاجَرَ إلى المدينةِ آخَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنه وبيْن سَعدِ بنِ الرَّبيعِ الأنصاريِّ الخَزْرجيِّ أحَدِ النُّقباءِ في بَيعةِ العَقَبةِ، والمُؤاخاةُ: هي أنْ يَتعاقَدَ الرَّجلانِ على التَّناصُرِ والمُواساةِ حتَّى يَصِيرَا كالأخَوَين نَسَبًا، فعَرَضَ عليه سَعدٌ نِصفَ مالِه وأنْ يَختارَ إحْدى زَوجاتِه، فيُطلِّقها، وبعْدَ انقضاءِ عِدَّتِها يَتزوَّجُها عبْدُ الرَّحمنِ، فرَفَضَ عبدُ الرَّحمنِ ذلك، وقال: لا حاجةَ لي في ذلِك، ثُمَّ سَألَ سَعْدًا عن مَوضعِ السُّوقِ الَّتي في المدينةِ للتِّجارةِ، فدَلَّه على سُوقِ بَني قَيْنُقاعٍ -مِن قَبائلِ اليَهودِ الذين كانوا في المَدينةِ-، فصارَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ رَضيَ اللهُ عنه يَتردَّدُ علَيها؛ لِيُتاجِرَ في السَّمنِ والأَقِطِ، وهو اللَّبنُ المُجَفَّفُ، واستَمرَّ على ذلك حتَّى كسَبَ مالًا، ثمَّ أتى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعَلَيه أثَرُ صُفْرةِ الطِّيبِ الَّذي تَطيَّبَ به، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هل تَزوَّجتَ؟ فقال: نَعَم، قال: ومَن؟ قال: امرأةً مِن الأنصارِ، وهي بِنتُ أَنَسِ بنِ رافِعٍ مِن بَني عَبدِ الأَشْهَلِ. فسَألَه: كَم دَفَعتَ لها مِن الصَّداقِ؟ فأجابَه بأنه دَفَعَ لها زِنةَ نَواةٍ مِن ذَهَبٍ، وهي وَزنُ ثَلاثةِ دَراهِمَ وثُلثٍ، فأمَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَمَل وَليمةٍ ولو بِشاةٍ، والوليمةُ: هي الطَّعامُ الَّذي يُصنَعُ في العُرسِ، والوَليمةُ بالشَّاةِ أو أكبَرَ منها لِمَن قَدَرَ عليها، فمَن لم يَقدِرْ فلا حَرَجَ عليه؛ فقد أوْلَمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالسَّويقِ -وهو ما يُعمَلُ مِنَ الحِنطةِ والشَّعيرِ- والتَّمرِ على بَعضِ نِسائِه.
قيلَ: كان لِلمُؤاخاةِ بَينَ المُهاجِرينَ والأنصارِ سَبَبانِ: أحَدُهما: أنَّه أجراهم على ما كانوا ألِفوا في الجاهِليَّةِ مِنَ الحِلْفِ؛ فإنَّهم كانوا يَتوارَثونَ به، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا حِلْفَ في الإسلامِ»، وأثبَتَ المُؤاخاةَ؛ لِأنَّ الإنسانَ إذا فُطِمَ عمَّا يألَفُه يَخنَسُ. والثَّاني: أنَّ المُهاجِرينَ قَدِموا مُحتاجينَ إلى المالِ وإلى المَنزِلِ، فنَزَلوا على الأنصارِ، فأكَّدَ هذه المُخالَطةَ بالمُؤاخاةِ، ولم تَكُنْ بَعدَ بَدرٍ مُؤاخاةٌ؛ لِأنَّه استُغنيَ بالغَنائِمِ.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ البَيعِ، وأنَّه مِن أشرَفِ الوَسائِلِ لِكَسبِ المالِ الحَلالِ.
وفيه: ما كانَ عليه المُهاجِرونَ والأنصارُ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مَودَّةٍ ومَحبَّةٍ وإيثارٍ بالمالِ وغيرِه.
وفيه: الأمرُ بالوَليمةِ للعُرسِ.
وفيه: التَّطيُّبُ للرَّجُل إذا كانَ عَروسًا.