باب ما يكره من الأسماء2
سنن الترمذى
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن الربيع بن عميلة الفزاري، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسمي غلامك رباح ولا أفلح ولا يسار ولا نجيح. يقال: أثم هو؟ فيقال: لا ". هذا حديث حسن صحيح
تَفضَّل اللهُ سُبحانَه على عِبادِه بأُمورٍ مِن الأقوالِ والأذكارِ الَّتي يُعطي عليها أجرًا عظيمًا بفَضْلِه وكَرَمِه، فتكونُ رَفعًا للدَّرجاتِ، وزِيادةً في الحَسناتِ.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ أحبَّ كَلامِ العِبادِ إلى اللهِ تعالَى، أي: أحقَّه قَبولًا، وأكْثرَه ثَوابًا لمَنِ الْتَزَمَهُنَّ وتكلَّمَ بهنَّ، «أَربعُ كَلماتٍ»، وهذه الكلماتُ، هي: «سُبحانَ اللهِ» ومَعناها: التَّنزيهُ الكاملُ للهِ تعالَى عن كلِّ نقْصٍ، ووَصْفُه بالكَمالِ التَّامِّ الَّذي يَلِيقُ بجلالِه.
«والحَمدُ لله»، أي: أُثْني عليه؛ فهو المُستحِقُّ لإبداءِ الثناءِ وإظهارِ الشُّكرِ، وفي ذلك الاعترافُ بأنَّ اللهَ هو المُستحِقُّ وَحْدَه لهذه المعاني، وفيها التَّفويضُ والافتقارُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ.
«ولا إله إلَّا الله» وهي كَلمةُ التَّوحيدِ الخالصةُ الَّتي هي تَوحيدٌ لِلذَّاتِ وتَفريدٌ للصِّفاتِ، أي: لا مَعبودَ بحقٍّ إلَّا اللهُ جَلَّ وعَلَا، وهو وَحْدَه المستحِقُّ أنْ يُفرَدَ بالعِبادةِ والتَّألُّهِ، دُونَ ما سِواه.
«واللهُ أكبَرُ» إثباتٌ للكِبرِياءِ والعَظَمة وأنَّه أعْلى وأكبرُ مِن كلِّ شَيءٍ.
ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا يَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بدأتَ»؛ فإنَّ تَقديمَ وتَأخيرَ بعضِهِنَّ على بعضٍ لا ضَرَرَ فيه، وليْس التَّرتيبُ بلازمٍ في الفوزِ بثَوابِهنَّ؛ لأنَّ كلًّا مِنها مُستقِلٌّ فيما قُصِد بها مِن بَيانِ جَلالِ اللهِ وكَمالِه.
وإنَّما كانتْ هذه الكلماتُ أحَبَّ الكلامِ إلى اللهِ تعالَى؛ لأنَّها جَمَعَتْ أشْرفَ المطالِبِ وأعْلاها، وهي تَنزيهُ الرَّبِّ تعالَى، وإثباتُ الحَمدِ له، ونَفْيُ الشَّريكِ عنه، وإثباتُ صِفةِ الكِبرياءِ، وهذه هي أمَّهاتُ الصِّفاتِ التَّوحيدِ إجْمَالًا؛ لأنَّ التَّسبيحَ إشارةٌ إلى تَنزيهِ اللهِ تعالَى عن النَّقائصِ، والتَّحميدُ إشارةٌ إلى وَصْفِه بالكَمالِ، والتَّهليلُ إشارةٌ إلى ما هو أصلُ الدِّينِ وأساسُ الإيمان، أي: التَّوحيدُ، والتَّكبيرُ: إشارةٌ إلى أنَّه أكْبَرُ ممَّا عَرَفْناه سُبحانه. وهذا مَحمولٌ على كَلامِ الآدميِّ، وإلَّا فالقرآنُ أفضَلُ مِن التَّسبيحِ والتَّهليلِ المطلَقِ، وكذلك المأثورُ في وَقتٍ أو حالٍ أو نحْوِ ذلك، فالاشتغالُ به أفضَلُ.
ثُمَّ نَهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن تَسميةِ الغُلامِ، والمرادُ به: العبدُ المملوكُ، كما في رِوايةِ ابنِ ماجهْ وأحمدَ، «يَسارًا، أو رَباحًا، أو نَجِيحًا، أو أَفْلَحَ»، والنَّهيُ مَحمولٌ على التَّنزيهِ، فتَركُه أَولى مِن فِعلِه؛ ثمَّ بيَّنَ السَّببَ في النَّهيِ بأنَّ التَّسميةَ بتلك الأسماءِ تُؤدِّي إلى أنْ يَسمَعَ المسْلمُ ما يَكرَهُه، مِثلُ أنْ يَسألَ عن وُجودِ واحدٍ مِن هؤلاء وهو غيرُ مَوجودٍ، فيَنْفي الشَّخصُ الَّذي سُئِل عنه، ويقولُ: «لا» أي: ليْس المسؤولُ عنه مَوجودًا، ففيه شُؤمٌ بفُقدانِ اليُسرِ والرِّبحِ والنَّجاحِ والفلاحِ، وفيه بَشاعةٌ في الجَوابِ.
ومعنى هذا أنَّ النَّاسَ يَقصِدون بهذه الأسماءِ التَّفاؤُلَ لحُسنِ ألفاظِها ومَعانيها، وربَّما يَنقلِبُ عليهم ما قَصَدوه إلى الضِّدِّ إذا سَألوا، فقالوا: (أمَوجودٌ يَسارٌ أو نَجيحٌ؟ فيُقالُ: لا)، فيَتطيَّرون بنَفيِه، ويُضمِرونَ اليأْسَ مِن اليُسرِ وغيرِه، فنَهاهم عن السَّببِ الَّذي يَجلِبُ سُوءَ الظَّنِّ واليأسَ مِن الخيرِ.
وبالنَّظَر إلى هذا المعنى، فلا تكونُ هذه الكراهةُ خاصَّةً بالعَبِيد، بلْ تَتعدَّى إلى الأحرارِ، ولا مَقصورةً على هذه الأربعةِ الأسماءِ، بلْ تَتعدَّى إلى ما في مَعناها.
فإذا ابتُلِي رجُلٌ في نَفسِه أو أهلِه ببعضِ هذه الأسماءِ، فعليه أنْ يُغيِّرَه إلى غيرِه مِن الأسماءِ المحبَّبةِ، فإنْ لم يَفعَلْ، وقيل: أمَوجودٌ يَسارٌ أو نَجيحٌ؟ فإنَّ مِن الأدبِ أنْ يُقالَ: كلُّ ما هنا يُسرٌ، أو نَجاحٌ، والحمدُ للهِ، ويُوشِكُ أنْ يَأتيَ الَّذي تُريدُه، ولا يُقال: ليْس هنا، أو خَرَج.
ثُمَّ قال سَمُرةُ رَضيَ اللهُ عنه: «إنَّما هُنَّ أربعٌ، فلا تَزِيدُنَّ عليَّ» أي: إنَّ الَّذِي سَمِعه مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إنَّما هي الأربع، لا زيادة عليها؛ تَحقيقًا لِمَا سَمِعَ، ونفيًا لِأنْ يُقوَّلَ ما لم يَقُل، فلا تَزِيدوا أيُّها المخاطَبون على هذه الأربعِ الَّتي سَمِعْتُها مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا تَنقُلوا عنِّي غيْرَ الأربعِ، فتَكونوا مِن الكاذبينَ عليه.