باب متى يقعد إذا قام للجنازة
بطاقات دعوية
عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إذا رأى أحدكم جنازة، فإن لم يكن ماشيا معها؛ فليقم حتى يخلفها، أو تخلفه، أو توضع من قبل أن تخلفه"
جاء الإسلامُ مُؤكِّدًا على قِيمةِ النَّفسِ الإنسانيَّةِ منذُ مَولدِها حتَّى مَوتِها، وجعَل لها مكانةً ساميةً، تتجلَّى في تلك الأحكامِ الَّتي اختصَّتْ بها حتَّى بعْدَ مفارقةِ الحياةِ، ويَظهَرُ هذا في صورةٍ واضحةٍ جليَّةٍ في اهتمامِ الإسلامِ بجنائزِ الموتَى ودَفْنِها ونَقْلِها إلى القَبرِ والبرزخِ ليَنتظرَ صاحبُ القبرِ يومَ القيامةِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذا رأى أحدُكم جِنازةً، وكان قاعدًا، فلْيَقُمْ حتَّى تُفارِقَه الجنازةُ، أو يُفارِقَ هو الجنازةَ، أو يظلَّ واقفًا حتَّى يضَعَها الرِّجالُ مِن على أعناقِهم تأهُّبًا لدفنِها تحتَ التُّرابِ، والجِنازةُ اسمٌ للنَّعشِ الَّذي عليه المَيتُ؛ وذلك احترامًا لقيمةِ النَّفسِ الإنسانيَّةِ، وتقديرًا لذاك الموقفِ المَهيبِ الَّذي تُودِّعُ فيه النَّفسُ الحياةَ الدُّنيا انتقالًا إلى الحَياةِ الآخِرةِ، واعتبارًا بالموتِ الَّذي هو نهايةُ كلِّ نفْسٍ تحيا فوقَ الأرضِ، وتعظيمًا لله تعالى، وفزَعًا مِن المَوتِ، واحترامًا للرُّوحِ الإنسانيَّةِ الَّتي أودَع اللهُ فيها سرَّ الحياةِ.
والقِيامُ لِلجِنازةِ على السَّواءِ لِلمَيِّتِ مُسلِمًا كان أو كافرًا؛ قيل: إنَّه نُسِخَ بأحاديثَ أُخرى لم يَقُمْ فيها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِندَما مَرَّتْ به، وقد أخرَجَ مُسلِمٌ عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال: «رأَيْنا رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قامَ فقُمْنا، وقعَدَ فقَعَدْنا، يعني: في الجنازةِ»؛ فدَلَّ هذا على أنَّ القِيامَ لِلجَنازةِ كان أوَّلًا، ثمَّ نُسِخَ. وقيلَ: إنَّ القِيامَ للجِنازةِ إذا مَرَّتْ به مَشروعٌ؛ لِمَجيءِ الأمرَيْنِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والعمَلُ بالدَّليلَيْنِ -ما أمْكَنَ- أَوْلَى، فلا يُقالُ: أحَدُهما مَنسوخٌ.