باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، وقول الله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} 5
بطاقات دعوية
عن عائشة رضي الله عنها: [أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل في مرضه الذي مات فيه (وفي طريق: لما كان في مرضه؛ جعل يدور في نسائه 4/ 220) يقول: "أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ " يريد: يوم (وفي طريق: حرصا على بيت) عائشة، [قالت عائشة: فلما كان يومي؛ سكن] (200)، فأذن له أزواجه يكون حيث يشاء، فكان في بيت
قالت عائشة: 5/ 142] دخل عبد الرحمن بن أبى بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا مسندته إلى صدرى، ومع عبد الرحمن سواك رطب (وفى طريق: جريدة رطبة) يستن به، فأبده (201) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره (وفى طريق: فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، [فقلت له: أعطنى هذا السواك يا عبد الرحمن! فأعطانية] , فتناولته , [فقضمته] , فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم 5/ 141)، فأخذت السواك فقصمته (202) (وفي رواية: فقضمته , ثم مضغته) , (وفى رواية: فلينته) وطيبته (203) , ثم دفعته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاستن به، فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استن استنانا قط أحسن منه , [ثم ناولنيها فسقطت يده، أو سقطت من يده] , [و [كان 7/ 192] بين يديه ركوة (204) أو علبة -يشك عمر- فيها ماء , فجعل يدخل يديه في الماء, فيمسح بهما وجهه , يقول: "لا إله إلا الله، إن للموت سكرات"]، [وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه فرفع رأسه إلى السماء] (وفي رواية: كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث، [ومسح عنه بيده] , فلما اشتد وجعه؛ كنت أقرأ (وفي رواية: أنفث 7/ 22) عليه [بهن] , وأمسح [عنه] بيده رجاء بركتها 6/ 105 - 106) , [فسألت الزهرى: كيف ينفث؟ قال: ينفث على يديه , ثم يمسح بهما وجهه].
فما عدا أن فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (205)؛ رفع يده , أو إصبعه (وفي طريق: نصب يده , ثم [619 - شخص بصر النبى - صلى الله عليه وسلم - 4/ 194] [وأصغت إليه قبل أن يموت , وهو مسند إلى ظهره , [وأخذته بحة 5/ 138] [شديدة 5/ 181] , يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} , اللهم! اغفر لى , وارحمنى , وألحقني بـ] الرفيق الأعلى (ثلاثا) ".
(وفي طريق: قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول -وهو صحيح-:
"إنه لم يقبض نبى [قط] حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير" , فلما نزل به -ورأسه على فخذى- غشى عليه [ساعة 7/ 155]، ثم أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال: «اللهم! [في] الرفيق الأعلى». فقلت: إذا لا يختارنا. وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح، قالت: فكان [ـت تلك] آخر كلمة تكلم بها [النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله]: «اللهم! الرفيق الأعلى» 5/ 144) ثم ثم قضى , [ومالت يده].
وكانت تقول: [إن من نعم الله علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] مات [فى بيتى , وفي يومي] [الذي كان يدور علي فيه] , ورأسه بين حاقنتي (206) وذاقنتي (وفي رواية: بين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته)، [في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة] , [فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم 5/ 140].
أخبَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى في كِتابِه العَزيزِ أخْبارًا صَريحةً في أنَّ اليَهودَ قَتَلوا الأنْبياءَ بغَيرِ حقٍّ، وحاوَلوا كذلك قَتْلَ عِيسى عليه السَّلامُ، وقدْ تعرَّضَ نَبيُّنا مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمُحاوَلاتِ غَدْرِهم في المَدينةِ أكثرَ مِن مرَّةٍ؛ منها أنَّه دُعيَ إلى طَعامٍ، فقدَّمَتْ له امْرأةٌ يَهوديَّةٌ تُدْعى زَينَبَ بِنتَ الحارِثِ شَاةً وضَعَتْ فيها سُمًّا، فنَجَّاه اللهُ مِن مَكْرِهم، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أكَلَ منها.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أمُّ المؤمِنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَقولُ في مَرَضِه الَّذي مات فيه: «ما أزالُ أجِدُ ألَمَ الطَّعامِ الَّذي أكَلْتُ بخَيْبرَ»، أي: ما زِلْتُ أُحِسُّ الألَمَ في جَوْفي بسَببِ أكْلي مِن تلك الشَّاةِ المَسْمومةِ الَّتي أكلَتْها بخَيْبرَ، وخَيْبرُ قَريةٌ كانت يَسكُنها اليَهودُ، وكانت ذاتَ حُصونٍ ومَزارِعَ، وتَبعُدُ نحوَ 173 كم تَقْريبًا منَ المَدينةِ إلى جِهةِ الشَّامِ، وقد غَزاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمسلمون، وفتَحَها اللهُ لهم في السَّنةِ السَّابعةِ منَ الهِجْرةِ، وقدِ اختلَفَتِ الآثارُ في قَتلِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لزَينَبَ بنتِ الحارِثِ اليَهوديَّةِ الَّتي وضَعَتْ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ السُّمَّ، والحاصِلُ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رفَضَ قَتْلَها بِدايةً، فلمَّا مات الصَّحابيُّ بِشرُ بنُ البَراءِ رَضيَ اللهُ عنه مِن ذلك -وكان قدْ أكَلَ معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الشَّاةِ- سلَّمَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأوْليائِه، فقَتَلوها قِصاصًا.
وقد نَجَّى اللهُ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن المَوتِ لمَّا أكَلَ مِن هذه الشَّاةِ في وَقتِه، ثمَّ ظهَرَ عليه أثَرُ السُّمِّ عندَ اقترابٍ أجَلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فهذا أوانُ وَجَدْتُ انْقِطاعَ أَبْهَري مِن ذلك السُّمِّ»، أي: هذا وَقتٌ شعَرْتُ فيه بقُرْبِ انْقِطاعِ أَبْهَري -وهو العِرْقُ الَّذي يَصِلُ إلى القَلْبِ، فإذا انقَطَعَ لم يكُنْ معَه حَياةٌ- بسَببِ ذلك السُّمِّ، وكان ذلك بعْدَ مُدَّةٍ مِن أكْلِه منها تُقارِبُ ثَلاثَ سِنينَ، فجمَعَ اللهُ تعالَى له بيْنَ النُّبوَّةِ ومَقامِ الشَّهادةِ؛ فمات نَبيًّا شَهيدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
والتَّوْفيقُ بيْنَ هذا وبيْنَ قَولِ اللهِ تعالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ{ [المائدة: 67]: أنَّه مَعْصومٌ مِن القَتلِ على وَجْهِ القَهرِ والغَلَبةِ، وأنَّه بعْدَ هذه الأكْلةِ مكَثَ سِنينَ يُجاهِدُ حتَّى فتَحَ اللهُ عليه الفُتوحاتِ، وآمَنَ أهلُ الجَزيرةِ، وبَقيَ أثَرُ السُّمِّ حتَّى أكرَمَه اللهُ بالشَّهادةِ بسَببِه.
وقدْ مات رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَرضِه هذا وهو ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ سَنةً، وذلك في العامِ الحاديَ عَشَرَ مِن الهِجْرةِ في المَدينةِ النَّبويَّةِ.
وفي الحَديثِ: خُبثُ اليَهودِ وشِدَّةُ عَداوَتِهم للمُسلِمينَ.
وفيه: بَشَريَّةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّه يَعْتَريه ما يَعْتَري البشَرَ مِنَ الضَّعفِ، والمرَضِ، والوَفاةِ.