باب من أصاب ركازا 3
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حدثنا سليم بن حيان قال: سمعت أبي يحدث
عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل اشترى عقارا، فوجد فيها جرة من ذهب، فقال: اشتريت منك الأرض، ولم أشتر منك الذهب، فقال الرجل: إنما بعتك الأرض بما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية. قال: فأنكحا الغلام الجارية، ولينفقا على أنفسهما منه، وليتصدقا" (1).
قسَّمَ اللهُ أرزاقَ العِبادِ وكَتَبَها عِنده في اللَّوحِ المحفوظِ قبْلَ أنْ يُخلَقَ الإنسانُ، ومِن ثَمَّ فالمؤمنُ العاقلُ هو مَن يَتورَّعُ عن الحرامِ، وعن كلِّ ما به شُبهةٌ، ومَن فَعَلَ ذلك استحَقَّ المدْحَ وحُسْنَ الجزاءِ في الدُّنيا والآخرةِ.
وفي هذا الحديثِ ذَكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قصَّةً حدَثَتْ بيْن رجُلينِ في الأُمَمِ السَّابقةِ، كما في رِوايةِ ابنِ ماجَه، أحدُهما اشْتَرى مِن الآخَرِ عقَارًا، وهو أُصولُ الأموالِ مِن الأرضِ وما يتَّصِلُ بها، كالمنزِلِ والقصْرِ والبِناءِ المرتفِعِ ونحْوِها، والمرادُ به هنا الدَّارُ، فوجَدَ في أرضِ هذا العَقارِ الَّذي اشْتراهُ ذهَبًا، فرجَعَ إلى الَّذي اشْتَرى منه ليَرُدَّ عليه الذَّهَبَ، مُعلِّلًا ذلك بأنَّه اشْتَرى منه الأرضَ وليس ما وجَدَه فيها، فقال الآخَرُ «البائعُ»: إنَّما بِعْتُكَ الأرضَ وما فِيها. يَتنازَلُ كلُّ واحدٍ منْهما للآخَرِ عن الذَّهبِ تَورُّعًا وزُهْدًا فيه.
فتَحاكَما إلى رجُلٍ، فسَأَلَهما: أي: هلْ لكلِّ واحدٍ منكما أولادٌ؟ فقال أحدُهما -وهو المُشتري-: لي غلامٌ، وقال الآخَرُ -وهو البائعُ-: لي بِنتٌ، فحَكَم بيْنهما بأنْ يُزوِّجَ أحدُهما ابنَه ابنةَ الآخَرِ، ويُنفِقوا علَيهما مِن هذا الذَّهَبِ، وأنْ يَتصدَّقا منه.
وإنَّما أصلَح هذا الحاكمُ بيْنهما؛ لِما ظَهَر له أنَّ حُكمَ المالِ المذكورِ حُكمُ المالِ الضَّائعِ، فرَأى أنَّهما أحَقُّ بذلك مِن غيرِهما؛ لِما ظَهَر له مِن وَرَعِهما وحُسنِ حالِهما، وارتَجَى مِن طِيبِ نَسلِهما وصَلاحِ ذُرِّيَّتِهما.
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ الحاكِمَ يُنَصَّبُ لقطْعِ النِّزاعِ والخُصومةِ بيْن النَّاسِ.