باب: ومن سورة التوبة3
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عفان بن مسلم، وعبد الصمد بن عبد الوارث، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن أنس بن مالك، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: «لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي» فدعا عليا فأعطاه إياه. «هذا حديث حسن غريب من حديث أنس بن مالك»
أبو بكرٍ الصِّديقُ رضِيَ اللهُ عنه أفضلُ صَحابةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الإطلاقِ، ومع ذلك فقدِ استخدَم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعضَ الصحابة الكرامِ الأقلِّ منه فضلًا في بَعضِ الأمورِ؛ لحِكمٍ ومَصالِحَ أخرى.
في هذا الحديثِ يَحكي أَنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعَثَ بـ{بَرَاءَة} مَعَ أبي بَكْرٍ"، أي: بقِراءةِ سُورةِ {بَراءَة}، وهي سُورةُ التَّوبةِ، وكان ذلك في مَكَّةَ؛ ليُعلِّمَ جَميعَ النَّاسِ أحْكامَ الشريعةِ في الحَجِّ والاتفاقاتِ مَعَ المُشركينَ وأَمَدَها وغيرَ ذلك، وكان ذلك في السَّنَةِ التَّاسعةِ مِنَ الهجرةِ، "ثُمَّ دعاه فقال: لا يَنْبغي لأَحَدٍ أنْ يُبَلِّغَ هذا إلَّا رَجُلٌ مِنْ أهلي"؛ قيل: لأنَّ الخِطابَ المُبلَّغَ به فيه نَقْضٌ لعهودٍ، وعادةُ العربِ أنْ يتوَّلى هذا الرَّجُلُ بنَفْسِهِ أو مَنْ يَقربُه نَسبًا، فجَعَلَ هذا الأمرَ على عادتِهِم، "فدعا عليًّا فأعطاهُ إيَّاها"، أي: أَمَرَهُ بقِراءةِ سُورةِ التَّوبةِ في مَكَّةَ.
وفي روايةٍ: أنّ أبا بكرٍ رضِيَ اللهُ عنه لَمَّا رجَع إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سأله: "ما لي؟! فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنتَ صاحبي في الغارِ إلَّا أنَّه لا يُبلِّغ غيري أو رجلٌ منِّي"، وليس في هذا سَخطٌ على أبي بكرٍ ولا تقديمٌ لعليٍّ عليه رضِي اللهُ عن جميعِ الصّحابةِ الكِرامِ.
وفي الحديثِ: فضيلةُ أبي بَكْرٍ وعليٍّ رَضيَ اللهُ عنهما، ومَنقبةٌ لعليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه: بيانُ وقوعِ التفاضُلِ بين الصَّحابةِ مع حِفظِ مَكانةِ كلِّ واحدٍ منهم.