باب: ومن سورة الكهف4
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار - وغير واحد المعنى واحد واللفظ لابن بشار -، قالوا: حدثنا هشام بن عبد الملك قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في السد قال: " يحفرونه كل يوم، حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا، فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغ مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس. قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله واستثنى "، قال: " فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه، فيخرجون على الناس، فيستقون المياه، ويفر الناس منهم، فيرمون بسهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون: قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء، قسوة وعلوا، فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكون، فوالذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض تسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم ": «هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه مثل هذا»
يأجوجُ ومأجوجُ أُمَّتانِ عظيمتانِ مِن بَنِي آدَمَ، وقد ذَكَر اللهُ سُبحانَه قِصَّةَ الملِك المسلِم والقائِد العَظيم ذِي القَرنَينِ معهم في سورة الكهف، وذَكَر السدَّ الذي بُنِي عليهم من الحَديدِ والنُّحاسِ المذابِ، وفصَّل القرآن طريقةَ البناءِ ومادَّتِه، وخُروجُهم في آخِرِ الزَّمانِ مِن أشراطِ السَّاعةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن خُروجِ يأجوجَ ومأجوجَ في آخِرِ الزَّمانِ، وعن إفسادِهم وشَرِّهم في الأرضِ وكيف يكونُ هَلاكُهم، حيثُ يقولُ أبو هُريرةَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "في السَّدِّ"، والسَّدُّ هو الحاجِزُ والمانِعُ، والمقصودُ به السَّدُّ الَّذي بَناه ذو القرنَين، وكان مَلِكًا صالحًا عابدًا، يؤمِنُ باللهِ، وبَلَغ مَشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها، فقال له أُناسٌ: إنَّ هناك مَن يُفسِدُ في الأرضِ، وهم قَبيلَتا يَأجوجَ ومأجوجَ، مِن ذرِّيَّةِ آدمَ عليه السَّلامُ، فكانوا يُدمِّرون ويُفسِدون في البلادِ، فطلَب هؤلاءِ النَّاسُ مِن ذي القَرنين أن يَجعَلَ بينَهم وبينَ يأجوجَ ومأجوجَ سدًّا، فأجابَهم إلى ما طلَبوه منه، وبَنى لهم السَّدَّ مِن الحديدِ والنُّحاسِ المذابِ، فكان حاجزًا وحائلًا بين النَّاسِ وبين وُصولِ يأجوجَ ومأجوجَ إليهم، "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يَحْفِرونَه"، أي: يأجوجُ ومأجوجُ يَنقُبون خلفَ السَّدِّ "كلَّ يومٍ"، أي: مُستمرِّين في حَفرِه يومًا بعدَ يومٍ، "حتَّى إذا كادوا"، أي: اقتَربوا "يَخْرِقونه"، أي: يتَعدَّوْن السَّدَّ، ويَهدِمونه، "قال الَّذي عليهم"، وهو قائدُهم وسيِّدُهم: "ارْجِعوا"، أي: عُودوا، "فستَخرِقونه غدًا"، أي: ستَفتَحون هذا السَّدَّ غدًا، قال: "فيُعيدُه اللهُ"، أي: فيُرجِعُ اللهُ السَّدَّ "كأشَدِّ"، أي: أقوى وأمتَنِ "ما كان" عليه قبلَ ذلك، "حتَّى إذا بلَغ مُدَّتَهم"، أي: حتَّى إذا وصَلوا إلى الوقتِ الَّذي يَفتَحون فيه السَّدَّ، "وأراد اللهُ"، أي: قدَّر اللهُ "أن يَبعَثَهم على النَّاسِ"، أي: أن يُخرِجَهم اللهُ على النَّاسِ، "قال الَّذي عليهم"، أي: أميرُهم: "ارجِعوا فستَخرِقونه غدًا"، أي: عُودوا فستَهْدِمونه غدًا "إن شاءَ اللهُ واستَثنى"، أي: ذُكِّر بأنْ يَستَثْنيَ ويقولَ: إنْ قدَّر لنا اللهُ ذلك، "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فيَرجِعون" ويَعودون "فيَجِدونه"، أي: السَّدَّ "كهَيئتِه"، أي: كما ترَكوه عليه في اليومِ السَّابقِ مِن الهدمِ، "فيَخرِقونه" ويَهدِمونه، "ويَخرُجون على النَّاسِ"، أي: مِن كلِّ ناحيةٍ، "فيَستَقون"، أي: يَشرَبون "المياهَ"، حتَّى تَجِفَّ الأنهارُ، "ويَفِرُّ النَّاسُ منهم"، أي: يَهرُبُ النَّاسُ ويتَحصَّنون منهم، "فيَرمون"، أي: يُصوِّبُ يأجوجُ ومأجوجُ بسِهامِهم إلى السَّماءِ، "فتَرجِعُ"، أي: تَعودُ السِّهامُ "مُخضَّبةً"، أي: مَصبوغةً بالدِّماءِ، فِتنةً مِن اللهِ وبلاءً لهم، فيَقولون: "قهَرْنا مَن في الأرضِ"، أي: انتقَمْنا مِن أهلِ الأرضِ، "وعلَوْنا مَن في السَّماءِ"، أي: غلَبْنا أهلَ السَّماءِ، "قَسْوةً وعُلوًّا"، أي: كان قولُهم هذا عن تَكبُّرٍ وكبرٍ لكُفرِهم، "فيَبعَثُ اللهُ عليهم نَغَفًا"، أي: فيُرْسِلُ اللهُ عليهم نوعًا مِن الحشَراتِ، والدِّيدانِ يُسمَّى النَّغَفَ، "في أقفائِهم"، أي: يَكونُ هذا الدُّودُ مِن وَراءِ أعناقِهم، ورُؤوسِهم "فيَهْلِكون"، أي: يَموتون.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فوالَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِه"، أي: والَّذي حياةُ وأمرُ محمَّدٍ بيَدِه، "إنَّ دَوابَّ الأرضِ"، وهي ما يَدِبُّ على الأرضِ مِن السِّباعِ والهوامِ والحشَراتِ "تَسْمَنُ"، أي: تَزدادُ وتَصير سَمينةً، "وتَبطَرُ وتَشكَرُ شَكَرًا مِن لُحومِهم"، أي: تَمتَلِئُ بُطونُهم شِبَعًا مِن الأكلِ مِن لَحمِهم.
وفي الحَديثِ: بيانُ دلائلِ نبوَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: بيانُ شِدَّةِ فِتنةِ يأجوجَ ومأجوجَ، وعِظَمِ خَلْقِهم.