حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم 1

مسند احمد

حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم 1

حدثنا الحجاج بن محمد، وهاشم بن القاسم، قالا: حدثنا ليث يعني ابن سعد، قال: حدثني بكير يعني ابن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة» ، قال بسر: ثم اشتكى فعدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة، فقلت لعبيد الله الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا وتذكر [ص:265] الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه يقول: قال: إلا رقما في ثوب، قال هاشم: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: إلا رقما في ثوب، وكذا قال: يونس

نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن التَّصويرِ، وأخبَرَ أنَّ المُصوِّرين أشدُّ النَّاسِ عَذابًا يومَ القِيامةِ؛ لِمَا قَصَدوا مِن التَّشبُّهِ بالخالقِ تَبارَك وتعالَى؛ لذلك يُقالُ لهم يومَ القيامةِ: «أَحْيُوا ما خَلَقتُم»
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا دخَل البيتَ الحرامَ، وفي رِوايةٍ عندَ البُخاريِّ: «إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا قَدِمَ أبَى أنْ يَدْخُلَ البَيتَ وفيهِ الآلِهةُ، فأمَرَ بهَا فأُخْرِجَت»، وكان ذلك عامَ الفَتحِ في السَّنةِ الثَّامنةِ مِنَ الهِجرةِ، فلمَّا دخَلَ وجَدَ فيه صُورةً لإبراهيمَ عليه السَّلامُ ومَريمَ أمِّ عِيسى عليه السَّلامُ، قال: «أمَا لهم!» وهذا تَعجُّبٌ مِن فِعلِ كُفَّارِ قُريشٍ في الجاهليَّةِ، وتَصويرِهم للأنبياءِ على هَيئةِ أصنامٍ مُجسَّمةٍ، ووَضْعِها داخلَ الكعبةِ المشرَّفةِ، «فقدْ سمِعوا أنَّ الملائكةَ لا تَدخُلُ بَيتًا فيه صُورةٌ»، وهذا استشهادٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لسَببِ عدَمِ دُخولِه الكعبةَ؛ لأنَّ بها الأصنامَ؛ لأنَّه لا يُقِرُّ على باطلٍ، ولأنَّه لا يُحِبُّ فِراقَ الملائكةِ، وهي لا تَدخُلُ بَيتًا فيه صُورةٌ، والمرادُ بالملائكةِ: غيرُ الحَفَظةِ، أمَّا الحَفَظةُ فلا يُفارِقونَ الإنسانَ، فيُحرَمُ البَيتُ الَّذي فيه تَصاويرُ بَرَكةَ دُخولِ الملائكةِ
وقد كان إبراهيمُ عليه السَّلامُ في هذه الصُّورةِ يَستقسِمُ، والاستقسامُ بالأزلامِ كان أمرًا مَعهودًا في الجاهليَّةِ، وهو طَلَبُ القَسْمِ الَّذي قُسِمَ له وقُدِّرَ ممَّا لم يُقسَمْ ولم يُقدَّرْ، والأزلامُ هي السِّهامُ، فكانوا يَكتُبون على بَعضِها: نَهاني ربِّي، وعلى بَعضِها: أمَرني ربِّي، أو على بَعضِها: نَعم، وعلى بَعضِها: لا، فإذا أراد أحدُهم سَفَرًا أو غيرَه، دَفَعوها إلى بَعضِهم حتَّى يَقبِضَها، فإنْ خرَج السَّهْمُ الَّذي عليه: أمَرني ربِّي، مَضى، أو: نَهاني، كَفَّ، وقدْ نَهى اللهُ تعالَى عن هذا الفعلِ، وقال: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]؛ ولذلك استَنكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما نُسِب إلى إبراهيمَ زُورًا وبُهتانًا في هذه الصُّورةِ، وقال: «هذا إبراهيمُ مُصوَّرٌ، فما له يَستقسِمُ!»، وقال -كما في رِوايةٍ عندَ البُخاريِّ-: «قاتَلَهم اللهُ! أمَا واللهِ قد عَلِموا أنَّهما لم يَستقسِمَا بها قطُّ