حديث أسامة الهذلي14
مسند احمد
حدثنا أبو سعيد، مولى بني هاشم، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، أن رجلا من هذيل أعتق شقيصا له من مملوكفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو حر كله، ليس لله شريك "
حَرَصتْ شَريعةُ الإسلامِ المُطهَّرةُ على العِتقِ، ويَسَّرتْ في أحكامِه، والعَبدُ قد يَكونُ مِلْكًا لِفَردٍ واحِدٍ، وقد يَكونُ مِلْكًا مُشتَرَكًا بَينَ أكثَرَ مِن فَردٍ، فحُكمُه واحِدٌ في العِتقِ، ولا يَتجَزَّأُ. وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سَمُرةُ بنُ جُندُبٍ رَضيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ (بمِثلِه) يُشيرُ المُصنِّفُ إلى حَديثِ أُسامةَ الهُذَليِّ رَضيَ اللهُ عنه، والذي رَواه أحمَدُ، وفيه: "أنَّ رَجُلًا مِن هُذَيلٍ" وهُذَيلٌ قَبيلةٌ مِن قَبائِلِ العَرَبِ، "أعتَقَ شَقيصًا له مِن مَملوكٍ" أعتَقَ نَصيبَه مِن عَبدٍ مَملوكٍ كانَ شِرْكًا بَينَه وبَينَ غَيرِه مِنَ المالِكينَ "فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هو حُرٌّ كُلُّه، ليس للهِ شَريكٌ" والمُرادُ أنَّ العِتقَ يَكونُ للهِ، فالأوْلى أنْ يُعتِقَ جَميعَ عَبدِه؛ فإنَّه إنْ أعتَقَ بَعضَه يَكونُ أمْرُ سَيِّدِه نافِذًا فيه بَعدُ؛ فهو كشَريكٍ له تَعالى صُورةً. والسَّيِّدُ والمَملوكُ مَخلوقانِ للهِ، إلَّا أنَّ اللهَ تَعالى فَضَّلَ بَعضَهم على بَعضٍ في الرِّزقِ وجَعَلَه تَحتَ تَصَرُّفِه تَمتيعًا، فإذا رَجَعَ بَعضُه إلى الأصلِ سَرى بالغَلَبةِ في البَعضِ الآخَرِ؛ إذْ ليس للهِ شَريكٌ في شَيءٍ مِنَ الأشياءِ. وحِفاظًا على حُقوقِ الشُّرَكاءِ، ولِعَدَمِ الإضرارِ بهم، فقد جاءَ في الصَّحيحَيْنِ مِن حَديثِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن أعتَقَ شِرْكًا له في عَبدٍ، فكانَ له مالٌ يَبلُغُ ثَمَنَ العَبدِ، قُوِّمَ العَبدُ عليه قيمةَ عَدْلٍ، فأعطى شُرَكاءَه حِصَصَهم، وعَتَقَ عليه العَبدَ، وإلَّا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ"؛ فإنَّه يَنبَغي على الشَّريكِ المُعتِقِ أنْ يُكمِلَ عِتقَ هذا العَبدِ، بأنْ يَدفَعَ لِشَريكِه قيمةَ حِصَّتِه فيه، فإنْ لم يَكُنْ لِلمُعتِقِ مالٌ، تَكونُ حِصَّتُه فقط هي التي عُتِقتْ، ويَكونُ العَبدُ قد عُتِقَ بَعضُه، وله أنْ يَسعى ويَعمَلَ بنَفْسِه؛ لِيُكمِلَ بَقيَّةَ عِتقِه، كما في الصَّحيحَيْنِ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "ثم استُسعيَ غَيرَ مَشقوقٍ عليه".
وقَولُه: (ولم يَذكُرْ: "مِن هُذَيلٍ") بمَعنى: أنَّ رِوايةَ سَمُرةَ رَضيَ اللهُ عنه ليس فيها هذا اللَّفظُ الذي ذَكَرَه أُسامةُ الهُذَليُّ في رِوايَتِه.