حديث أسامة الهذلي7
مسند احمد
حدثنا إسماعيل، أخبرنا خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المليح بن أسامة، قال: خرجت إلى المسجد في ليلة مطيرة، فلما رجعت استفتحت، فقال أبي: من هذا؟ قالوا: أبو المليح، قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، وأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن صلوا في رحالكم
شَريعةُ الإسْلامِ شَريعةٌ سَمْحةٌ مُيسَّرةٌ، ومِن مَظاهرِ ذلك: أنَّه مع أهمِّيَّةِ صَلاةِ الجَماعةِ في المَسجِدِ إلَّا أنَّها راعَتْظُروفَ النَّاسِ في بَعضِ الأوقاتِ الحَرِجةِ الَّتي يكونُ الذَّهابُ فيها إلى المَسجِدِ صَعبًا؛ مِثلُ وُجودِ ريحٍ، أو مطَرٍ، أو خَوفٍ، أو غيرِ ذلك.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو المَلِيحِ بنُ أُسَامةَ الهُذَليُّ أنَّه صلَّى العِشاءَ الآخِرةَ بالبَصرةِ، وكان ذلك وقْتَ نُزولِ المَطرِ، والبَصْرةُ مَدينةٌ مِن مُدُنِ العِراقِ، وقولُه: «الآخِرةَ» تَمييزًا لها عنِ المَغرِبِ؛ لأنَّهم كانوا يُطْلِقونَ على المَغرِبِ صَلاةَ العِشاءِ، فلمَّا صلَّى العِشاءَ، ورجَع إلى بيْتِه، «استَفتَحَ»، أي: طلَبَ أنْ يَفتَحوا له البابَ، فلمَّا رَآهُ أبُوه أُسامةُ رَضيَ اللهُ عنه وكأنَّه أنْكَر عليه خُروجَه في المَطرِ؛ أخبَرَه رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زمَنَ صُلحِ الحُدَيبيَةِ، وهو الَّذي حصَلَت فيه بَيْعةُ الرِّضوانِ سَنةَ سِتٍّ مِن الهِجرةِ، ونزَل المَطرُ عليهم، وهو المُرادُ بالسَّماءِ هنا؛ لأنَّه نازلٌ مِن السَّماءِ، وكان المَطرُ قَليلًا، حتَّى أنَّه لم يَبُلَّ أسفَلَ أحْذيَتِهم، أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُناديَه أنْ يُناديَ في النَّاسِ أنْ يُصلُّوا في أماكِنِهم ومَنازِلِهمُ الَّتي همْ فيها، ولا يَخرُجُوا إلى صَلاةِ الجَماعةِ، وكانت هذه رُخصةً في مِثلِ ذلك، وهذا يُبيِّنُ أنَّ الحرَجَ مَدفوعٌ في الدِّينِ، وفي حُضورِهم في المطَرِ حَرجٌ؛ فالأحسَنُ إعْلامُ النَّاسِ بأنَّ الحرَجَ مَدفوعٌ عنهم بمِثلِ هذه المُناداةِ، ولولا هذا الإعْلامُ لَحَضَروا.
وفي الحَديثِ: تَيْسيرُ الشَّرعِ على النَّاسِ، ورفْعُه للحرَجِ في وَقتِ الاضْطرارِ.