حديث المغيرة بن شعبة 46
مستند احمد
حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا ابن عون، عن الشعبي، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، وعن ابن سيرين، رفعه إلى المغيرة بن شعبة، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فغمز ظهري، أو كتفي، بشيء كان معه، قال: وتبعته، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، ثم جاء فقال: «أمعك ماء؟» قلت: نعم، ومعي سطيحة من ماء، فغسل وجهه، وكانت عليه جبة شامية ضيقة الكمين، فأدخل يده، فرفع الجبة على عاتقه، وأخرج يديه من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، ومسح على العمامة قال: وذكر الناصية بشيء ومسح على خفيه، ثم أقبلنا فأدركنا القوم في صلاة الغداة، وعبد الرحمن يؤمهم، وقد صلوا ركعة، فذهبت لأوذنه فنهاني، فصلينا معه ركعة، وقضينا التي سبقنا بها
في هذا الحديثِ يُخبِرُ البراءُ بنُ عازبٍ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "مَن منَحَ"، أي: أعْطى، "مَنيحَةَ وَرِقٍ"، أي: قرْضًا مِن فِضَّةٍ، "أو مَنِيحةَ لَبَنٍ"، أي: ناقةً أو شاةً تُدِرُّ لَبَنًا فيُنْتَفَعُ به، ثمَّ تُرَدُّ إلى صاحبِها بعدَ ذلك، "أو هَدَى زُقاقًا"، أي: أرشَدَ الضَّالَّ أو الأعْمى إلى الطَّريقِ. وقيل: أهْدى زُقاقَ النَّخلِ، وهو السِّكةُ والصَّفُّ مِن أشجارِهِ، "فهو كعِتاقِ رَقبةٍ"، أي: له مِن الأجْرِ مِثْلُ عِتقِ رَقبةٍ وتَحريرِها مِن الرِّقِّ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ"، أي: هو المُستحِقُّ للعِبادةِ بحَقٍّ، "وحْدَه لا شريكَ له، له المُلْكُ وله الحمْدُ"، وهو الثَّناءُ الحَسنُ بما هو أهْلُه، "وهو على كلِّ شَيءٍ قديرٌ"، أي: لا يُعجِزُه شَيءٌ في مُلْكِه، "عشْرَ مرَّاتٍ؛ فهو كعِتاقِ نَسمةٍ"، أي: له مِن الأجْرِ مِثْلُ عِتْقِ رَقبةٍ وتَحريرِها مِن الرِّقِّ، وفي هذا القولِ إفرادٌ للهِ بالتَّوحيدِ وإقرارٌ بأنَّه المُستحِقُّ وحْدَه للحمْدِ والثَّناءِ، مع إظهارِ قُدرةِ اللهِ في خلْقِه
قال البراءُ بنُ عازبٍ رضِيَ اللهُ عنه: "وكان يأْتي ناحيةَ الصَّفِّ"، أي: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يأْتي مِن جانبِ الصَّفِّ قبْلَ البَدءِ في الصَّلاةِ، "يُسوِّي بيْن صُدورِهم ومَناكِبِهم"، أي: بأنْ يَضَعَ يدَهُ على أكتافِ وصُدورِ المُصلِّينَ؛ لِيُسوِّيَ الصُّفوفَ، وخاصَّةً الصُّدورَ البارزةَ عن الصَّفِّ، "يقولُ: لا تَخْتلِفوا فتَختلِفَ قُلوبُكم"، أي: لا يَحصُلْ مِنكُم اختِلافٌ بأبدانِكم بالتَّقدُّمِ والتَّأخُّرِ، فيتَسبَّبَ عنه اختلافُ قُلوبِكم بالعَداوةِ والبَغضاءِ، والتَّحاسُدِ والشَّحناءِ
قال البَراءُ رضِيَ اللهُ عنه: "وكان يقولُ"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصَلُّون على الصُّفوفِ الأُوَلِ"، أي: على الصَّفِّ المُتقدِّمِ في كلِّ مَسجِدٍ، أو في كلِّ جَماعةٍ، فالجمْعُ باعتبارِ تعدُّدِ المساجدِ، أو تعدُّدِ الجماعةِ، أو المُرادُ الصُّفوفُ المُتقدِّمةُ على الصَّفِّ الأخيرِ؛ فالصَّلاةُ مِن اللهِ تعالى تكونُ لكلِّ صَفٍّ على حسَبِ تقدُّمِه، والصَّلاةُ مِن اللهِ تعالى ثَناؤُه على العَبدِ عندَ الملائكةِ، والرَّحمةُ له، وأمَّا الصَّلاةُ مِن الملائكةِ، فبِمَعنى الدُّعاءِ والاستغفارِ للعبْدِ، والمعنى: أنَّ اللهَ تعالى يُثْني على أهلِ الصُّفوفِ المُتقدِّمةِ عندَ مَلائكتِه، أو يُنزِلُ رَحمتَه عليهم، وتَدْعو لهم الملائكةُ، وتَستغفِرُ لهم
قال البراءُ رضِيَ اللهُ عنه: "وكان يقولُ"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "زَيِّنوا القُرآنَ بأصواتِكم"، أي: أَخرِجوا أصواتَكم به في أحسَنِ صُورةٍ؛ مِن تَجوِيدٍ وتَرتيلٍ، وتَحسينٍ للصَّوتِ عندَ قِراءتِه
وفي الحديثِ: التَّرغيبُ في السَّعيِ بالمالِ الفائضِ في نفْعِ الآخَرينَ به
وفيه: أنَّ مُخالفةَ أوامِرِ اللهِ تُؤدِّي إلى التَّخالُفِ بيْن قُلوبِ البشرِ
وفيه: الاهتمامُ بأمْرِ القُرآنِ الكريمِ وتَجْويدِه وتِلاوتِه