حديث جابر بن سمرة السوائي159
مسند احمد
حدثنا أبو سلمة الخزاعي، أخبرنا شريك، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: " كنا نجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتناشدون الأشعار، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت فربما تبسم " أو قال: كنا نتناشد الأشعار، ونذكر أشياء من أمر الجاهلية، فربما تبسم صلى الله عليه وسلم
صلاته بعد تخفي
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم سهلًا قريبًا، يَجلِسُ مع أصحابِه، فيَتحدَّثُ معهم ويتَحدَّثون معه، وما تكبَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على إنسانٍ قطُّ، وكان سماعُه لِمَا يَقولون وسُكوتُه عنه دونَ نهيٍ أو توضيحٍ بمَنزلةِ إقرارٍ منه لِمَا يَقولونه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ جابرُ بنُ سَمُرةَ رضِيَ اللهُ عَنه: "جالَستُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: جلَستُ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وقعَدتُ معَه، "أكثَرَ مِن مِئةِ مرَّةٍ"، يَعني الكثرةَ والمبالَغةَ، "فكان أصحابُه يتَناشَدون الشِّعرَ"، أي: كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُنشِدون الشِّعرَ معًا، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جالِسٌ بينَهم، "ويتَذاكَرون أشياءَ مِن أمرِ الجاهليَّةِ"، أي: ويتَحدَّثون عن أشياءَ كانت في الجاهليَّةِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جالِسٌ بينَهم، "وهو ساكِتٌ"، أي: والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جالسٌ بينَهم ساكِتًا لا يُنكِرُ عليهم، "فرُبَّما يتَبسَّمُ معَهم"، أي: فرُبَّما تحَدَّثوا عن أشياءَ مِن أمرِ الجاهليَّةِ تُثيرُ الضَّحِكَ، فكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يتَبسَّمُ معَهم ولا يُنكِرُ عليهم.
قيل: ولعلَّ المرادَ بتَذاكُرِ الصَّحابةِ الشِّعرَ الجاهليَّ أنَّهم يتَذاكَرونه تحدُّثًا بنِعْمةِ اللهِ عليهم؛ حيث هَداهم اللهُ إلى الإِسلامِ عمَّا كانوا عليه مِن أمورِ الجاهليَّةِ، وعوَّضَهم مِن أشعارِهم المشتمِلةِ على الخَنا والفُجورِ بالقرآنِ العظيمِ، لا أنَّهم يُريدون إحياءَ ما كانوا عليه، وتجديدَ ما تابوا منه؛ فإنَّ هذا لا يُظَنُّ بهم، ولا يُقِرُّهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عليه.
وقد وردَت رواياتٌ أخرى فيها النَّهيُ عن إنشادِ الشِّعرِ، وقد جمَع العلماءُ بينَهما بتَوجَيهينِ: الأوَّلُ: حملُ النَّهيِ على التَّنزيهِ وحَملُ الرُّخصةِ على بيانِ الجوازِ، والثَّاني: حَملُ أحاديثِ الرُّخصَةِ على الشِّعرِ الحسَنِ المأذونِ فيه، كمدحِ حسَّانَ للنبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وهِجائِه للمُشرِكين ، وغيرِ ذلك، ويُحمَلُ النَّهيُ على النَّهيِ عن التَّفاخُرِ والهجاءِ، ونحوِ ذلك، وقيل: الشِّعرُ كلامٌ، فحَسنُه حسَنٌ، وقَبيحُه قبيحٌ.
وقيل: المنهيُّ عنه ما إذا كان التَّناشُدُ غالبًا على المسجِدِ حتَّى يتَشاغَلَ به مَن فيه، مع أنه قيل أيضًا: لا بأسَ بإنشادِ الشِّعرِ في المسجدِ إذا كان في مدحِ الدِّينِ، وإقامةِ الشَّرعِ، إذا لم يَرفَعْ به صوتَه بحيث يُشوِّشُ بذلك على مُصلٍّ، أو قارِئٍ، أو مُنتظِرٍ للصَّلاةِ، فإن أدَّى إلى ذلك كُرِه.
وفي الحديثِ: بيانُ تَواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ورَحمتِه ويُسرِه، ومُشارَكتِه أصحابَه مَجالِسَهم.
وفيه: منقبةٌ جليلةٌ لجابِرِ بنِ سَمُرةَ رضِيَ اللهُ عنه.