حديث عثمان بن حنيف 2

مستند احمد

حديث عثمان بن حنيف 2

حدثنا روح، قال: حدثنا شعبة، عن أبي جعفر المديني، قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت، يحدث عن عثمان بن حنيف، أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، ادع الله أن يعافيني، فقال: «إن شئت أخرت ذلك، فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك» . قال: لا بل ادع الله لي. " فأمره أن يتوضأ، وأن يصلي ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي، وتشفعني فيه، وتشفعه في " قال: فكان يقول هذا مرارا. ثم قال بعد: أحسب أن فيها: أن تشفعني فيه. قال: ففعل الرجل، فبرأ

بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَحمةً للأُمَّةِ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَحيمًا شَفيقًا على أصحابِه يَرجو لَهمُ الخَيرَ ويَخافُ عليهم مِنَ الشَّرِّ، وكان بمَقامِ الوالدِ لَهم؛

 ولهذا كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم إذا مَرِضَ الواحِدُ مِنهم يَذهبُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَطلُبُ مِنه أن يَدعوَ اللهَ تعالى له أن يَشفيَه؛ وذلك لعِلمِهم بأنَّ دُعاءَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه بَرَكةٌ وأرجى للقَبولِ، ومِن ذلك أنَّ رَجُلًا ضَريرًا، أي: ضَعيفَ النَّظَرِ أو أعمى، أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: جاءَ هذا الأعمى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال: يا نَبيَّ اللهِ، ادعُ اللَّهَ أن يُعافيَني، أي: اسألِ اللَّهَ تعالى واطلُبْ مِنه أن يُعافيَني في نَظَري. فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إن شِئتَ أخَّرتَ ذلك، أي: أخَّرتَ حُصولَ البَصَرِ أو أخَّرتَ جَزاءَه إلى الآخِرةِ؛ فهو أفضَلُ لآخِرَتِك، أي: أعظَمُ أجرًا وثَوابًا عِندَ اللهِ تعالى، وقد جاءَ في فضلِ مَن فقدَ بَصَرَه فصَبَرَ أنَّ اللَّهَ يُعَوِّضُه عن ذلك الجَنَّةَ، وإن شِئتَ دَعَوتُ لك، أي: إن أحبَبتَ أن أدعوَ لك بالشِّفاءِ والعافيةِ دَعَوتُ لك. فقال الرَّجُلُ: لا، بَل ادعُ اللَّهَ لي، أي: أنَّه اختارَ دُعاءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له على الصَّبرِ. ثُمَّ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَر هذا الرَّجُلَ أن يَتَوضَّأَ، وأن يُصَلِّيَ رَكعَتَينِ، وأن يَدعوَ بهذا الدُّعاءِ، أي: يَدعو بهذا الدُّعاءِ بَعدَ فراغِه مِنَ الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك، أي: أطلُبُ مِنك مَقصودي، وأتَوجَّهُ إليك بنَبيِّك مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: أتَوسَّلُ إليك بدُعاءِ نَبيِّك صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، نَبيِّ الرَّحمةِ، أي: المَبعوثِ رَحمةً للعالَمينَ، يا مُحَمَّدُ، إنِّي أتَوجَّهُ بك إلى رَبِّي، أي: أستشفِعُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى رَبِّي في قَضاءِ حاجَتي هذه، وهيَ الدُّعاءُ بشِفاءِ بَصَري، فتُقضى، أي: لتَستَجيبَ لي الدُّعاءَ، وتُشَفِّعَني فيه، أي: تُشَفِّعَني يا اللَّهُ في نَبيِّك، فكَأنَّه شَفَعَ في زيادةِ رُتبَتِه بأن يَقبَلَ الدُّعاءَ الذي فيه التَّوسُّلُ به. وتُشَفِّعَه فيَّ، أي: أسألُ اللَّهَ أن يَقبَلَ شَفاعةَ دُعاءِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَقِّي، وهذا مِنَ التَّوسُّلِ المَشروعِ، وهو التَّوسُّلُ بدُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشَفاعَتِه، وليس مِنَ التَّوسُّلِ بذاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فكان الرَّجُلُ يَقولُ هذا مِرارًا، أي: يُكَرِّرُ هذا الدُّعاءَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قال بَعدُ: أحسَبُ أنَّ فيها: أن تُشَفِّعَني فيه، أي: أنَّ أحَدَ الرُّواةِ كان يَروي هذا الحَديثَ بزيادةِ: أن تُشَفِّعَني فيه، وبَعضُهم لا يَرويها ويَقتَصِرُ على قَولِه: تُشَفِّعَه فيَّ. ففعَلَ الرَّجُلُ، فبَرَأ، أي: أنَّ الرَّجُلَ الأعمى دَعا بهذا الدُّعاءِ فعافاه اللَّهُ تعالى ورَدَّ عليه بَصَرَه. وليس في هذا الحَديثِ دَليلٌ لمَن قال بمَشروعيَّةِ التَّوسُّلِ بذاتِه وجاهِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ هذا الأعمى إنَّما سَألَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الدُّعاءَ له بكَشفِ بَصَرِه، وهو حَيٌّ حاضِرٌ قادِرٌ على ما سَألَه مِنه، وهو الدُّعاءُ، ويَقولُ: اللَّهُمَّ شَفِّعْه فيَّ، فسَألَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الدُّعاءَ، وسَألَ قَبولَ دُعائِه مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ لعِلمِه أنَّه لا يَشفَعُ أحَدٌ عِندَه إلَّا بإذنِه، وبهذا أمرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَدعوَ اللَّهَ تعالى
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ طَلَبِ الدُّعاءِ مِن أهلِ الصَّلاحِ
وفيه فضلُ الصَّبرِ على البَلاءِ
وفيه مَشروعيَّةُ الدُّعاءِ برَفعِ المَرَضِ أوِ البَلاءِ
وفيه مُعجِزةٌ مِن مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم