حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 96
مستند احمد
حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا موسى بن علي، قال: سمعت أبي، يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني، يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق، فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين زهراوين، فيأخذهما في غير إثم، ولا قطع رحم؟» قال: قلنا: كلنا يا رسول [ص:627] الله يحب ذلك. قال: «فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد، فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه فضْلَ القرآنِ الكريمِ، ويُبيِّنُ أجْرَ تَعلُّمِه وتَعليمِه وقِراءتهِ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عُقبةُ بنُ عامرٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جاءهم وهمْ جالِسون في الصُّفَّةِ، وهي مَوضِعٌ مُظلَّلٌ مِنَ المسجدِ النَّبويِّ الشَّريفِ، كان فُقراءُ المهاجرين يَأْوُونَ إليه، فسَألهم: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ» وهو الذَّهابُ أوَّلَ النَّهارِ، «كلَّ يومٍ إلى بُطْحَانَ»، وهو مَوضعٌ بِقُرْبِ المدينةِ يَسيرُ مِن جَنوبِها وحتى غَربِها، «أو إلى الْعَقِيقِ»، وهُوَ وادٍ بالمدينةِ تَتجمَّعُ مِياهُه مِن منْطقةِ العقيقِ الَّتي تَبعُدُ عن المدينةِ أكثَرَ مِن مائةِ كيلومترٍ جَنوبًا، ويَسيرُ إلى مَشارفِ المدينةِ، وخَصَّ بُطْحَانَ والعَقِيقَ بالذِّكرِ؛ لأنَّهما أقرَبُ المواضعِ الَّتي تُقامُ فيها أسْواقُ الإبلِ إلى المدينةِ، «فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِناقتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ»، والكَوْمَاءُ: النَّاقَةُ العظيمةُ السَّنَامِ، وضَربَ المثلَ بها لأنَّها مِن خِيارِ مالِ العربِ، وأنْ يَحصُلَ على النَّاقتَيْنِ بغيرِ إِثْمٍ كَسرقةٍ، أو أنْ يَقطعَ رَحِمًا بهما؟ فأجابَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم أنَّهم يَودُّون ذلك ويُحِبُّونه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لمَن أراد ذلك الخيْرَ: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ» فيُبكِّرُ ويَذهَبُ إليه، «فيَعْلَمُ أوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِن كِتابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيرٌ له مِن نَاقَتَيْنِ»، أي: فيكونُ الخيرُ الَّذي يَأتي مِن تَعَلُّمِ الآيتَيْنِ أو قِراءتِهما أفضَلَ عندَ اللهِ مِن الحُصولِ على ناقتَيْنِ ومِن خيْرِهما الَّذي كان سَيَعودُ عليه منْهما، وكذلك ثَلاثُ آياتٍ أفضَلُ مِن ثَلاثِ ناقاتٍ، وأيضًا أربعُ آياتٍ أفضلُ مِن أربعِ ناقاتٍ، وقولُه: «ومِن أعْدَادِهِنَّ مِن الإِبِلِ»، أي: كلَّما زادَ مِن عدَدِ الآياتِ في عِلمِها أو قِراءتِها، كان له بعَددِ تلك الآياتِ أفضَلُ مِن مِثلِها مِنَ الإبلِ، وفي هذا أنَّ تَعلُّمَ القرآنِ أفضلُ مِن طلَبِ المالِ، وهذا على العُمومِ، وهو أَوْلَى لِمَن كان عِندَه وقْتُ فراغٍ
وفي الحديثِ: فَضلُ طَلبِ العِلمِ، وفضلُ تَعلُّمِ القُرآنِ
وفيه: تَعاهُدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأصحابِه بالمَوعظةِ والإرشادِ، وفي هذا تَعليمٌ لوُلاةِ الأُمورِ؛ لِيَتأسَّوا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في تَعامُلِهم مع رَعيَّتِهم