حديث معاوية بن أبي سفيان 78
مستند احمد
حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا صفوان، قال: حدثنا أبو الزاهرية، عن معاوية بن أبي سفيان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا مبلغ والله يهدي، وقاسم والله يعطي، فمن بلغه مني شيء بحسن رغبة وحسن هدى، فإن ذلك الذي يبارك له فيه، ومن بلغه عني شيء بسوء رغبة وسوء هدى، فذاك الذي يأكل ولا يشبع»
المالُ مِن فِتَنِ الحَياةِ الدُّنيا، ويَنبَغي لِلمُؤمِنِ أنْ يَصونَ نفْسَه بمَعرِفةِ ما فيه مِن خَيرٍ وشَرٍّ؛ فيَحتَرِزَ مِن الوُقوعِ في شَرِّه، ويَعرِفَ حَقَّ اللهِ في المالِ فيُؤدِّيَه
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إنَّما هو مُبلِّغٌ عنِ اللهِ أوامِرَه ونَواهيَه للنَّاسِ، ولكِنَّ اللهَ هو الَّذي يُوفِّقُ للهِدايةِ، وليس للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخْلٌ في هِدايةِ أحَدٍ، وأخبَرَ أيضًا أنَّه قاسِمٌ يَقسِمُ بيْنَ النَّاسِ بأمْرِ اللهِ، ويضَعُ حيثُ أُمِرَ، فلا يُعْطي أحدًا، ولا يَمنَعُ أحدًا إلَّا بإذنٍ مِن اللهِ، فمَن أعْطاه قَليلًا، فهذا بقَدَرِ اللهِ، ومَن أعْطاه كَثيرًا، فهذا أيضًا بقَدَرِ اللهِ، فاللهُ هوَ المُعْطي والمانِعُ على الحَقيقةِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْطي بحسَبِ ما يُيسِّرُ اللهُ له
ولعلَّ سَببَ قَولِه لذلك تَطْييبُه لقُلوبِ النَّاسِ؛ لمُفاضَلتِه بعضَهم بالعَطاءِ؛ فالمالُ للهِ، والعبادُ للهِ، والنَّبيُّ قاسمٌ بإذْنِه، فمَن قسَم له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثيرًا، فبقَدَرِ اللهِ تعالَى، وما سَبَق له في الكِتابِ، وكذا مَن قسَم له قَليلًا؛ فلا يَزيدُ الرَّسولُ لأحدٍ في رِزقِه، كما لا يَستَطيعُ أنْ يَزيدَ له في أجَلِه
ثمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن بَلَغه شَيءٌ مِن المالِ قسَمَه له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دونَ طلَبٍ منه، وبغَيرِ إلْحاحٍ في السُّؤالِ، ولا طَمعٍ، ولا حِرصٍ، ولا إكْراهٍ، أو إحْراجٍ للمُعْطِي، وأخَذَه بحُسنِ أدبٍ ورِضا نفْسٍ -كَثُرَ ونَمَا، وكان رِزْقًا حَلالًا يَشعُرُ بلَذَّتِه، ويكونُ ذلك الشَّخصُ هو الَّذي يُبارِكُ اللهُ له في العَطاءِ، وعلى العَكسِ مِن ذلك؛ فمَن وَصَل إليه شَيءٌ مِن المالِ، أوِ العَطاءِ، وكان قدْ طلَبَه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جشَعًا، واستِكْثارًا، وعن عدَمِ حاجةٍ، بلْ أخَذَهُ بإلْحاحٍ في السُّؤالِ، وتَطلُّعٍ لِمَا في أيْدِي غَيرِه، وشِدَّةِ حِرْصٍ على تَحصِيلِه، معَ إكْراهِ المُعطِي وإحْراجِه -لم يكُنْ له فيه بَرَكةٌ، ولا يُبارَكُ له في هذا المالِ، ولا يَشبَعُ منه، ويكونُ مِثلَ الَّذي يَأكُلُ الطَّعامَ، ولكنَّه لا يَشبَعُ أبدًا؛ لجَشَعِه وسُوءِ طَويَّتِه
وفي الحَديثِ: أنَّ المُكتسِبَ للمالِ مِن غيرِ حِلِّه غيرُ مُبارَكٍ له فيه
وفيه: أنَّ الأرزاقَ والأموالَ إنَّما هي أمانةٌ مِن اللهِ تعالَى عندَ النَّاسِ