حديث يزيد بن ثابت
مستند احمد
حدثنا ابن نمير، عن عثمان يعني ابن حكيم، عن خارجة بن زيد، عن عمه يزيد بن ثابت، «أنه كان جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فطلعت جنازة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثار وثار أصحابه معه، فلم يزالوا قياما حتى نفذت» قال: والله ما أدري من تأذ بها أو من تضايق المكان، ولا أحسبها إلا يهوديا أو يهودية وما سألنا عن قيامه صلى الله عليه وسلم
إنَّ احتِرامَ الرُّوحِ الإنسانيَّةِ التي أودَعَ اللهُ فيها سِرَّ الحياةِ هو تَعْظيمٌ لِخالِقِها سُبحانَهُ وتَعالى
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي يَزيدُ بنُ ثابِتٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّه كانَ جالِسًا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أصْحابِهِ، فطَلَعَتْ جِنازةٌ" مرَّتْ بهم، والجِنازةُ: اسمٌ للميِّتِ في النَّعْشِ "فلمَّا رآها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثارَ وثارَ أصْحابُهُ معه" بمَعْنى وقَفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِندَ مُرورِ الجِنازةِ دُونَ أنْ يَسْألَ عنها، ولم يَعرِفْ هل هي لمُسلمٍ أو غَيرِ مُسلِمٍ، ووقَفَ معه أصْحابُهُ، "فلم يَزالوا قيامًا حتى نَفِذَتْ" حتى مَضَتْ وجاوَزَتْهُم، قالَ يَزيدُ رضِيَ اللهُ عنه: "واللهِ ما أدْري مِن تَأَذٍّ بها؟" بمَعْنى: قامَ لأجْلِ التَّأذِّي بتِلك الجِنازةِ من نَتَنِ الرِّيحِ ونَحوِهِ، "أو مِن تَضايُقِ المَكانِ" وعَدَمِ سَعَتِهِ بما يَكْفي، فيكونُ قيامُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من حُسنِ أدَبِهِ، ولِمُراعاةِ حقِّ الطَّريقِ، والتَّوسيعِ على المارَّةِ فيه، "ولا أحسَبُها إلَّا يَهوديًّا أو يَهوديَّةً" الميِّتُ يَهوديٌّ أو يَهوديَّةٌ، "وما سَأَلْنا عن قيامِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" وما استَفْسَرْنا من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن سَبَبِ قيامِهِ لِجِنازةِ يَهوديٍّ، وكأنَّه يُشيرُ أنَّ القِيامَ لم يكُنْ للميِّتِ، وإنَّما لحاجةٍ صادَفَتْ مُرورَ الجِنازةِ
وقد ورَدَتْ رِواياتٌ مُتعدِّدةٌ تُبيِّنُ أسبابًا مُتعدِّدةً لِقيامِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومن ذلِكَ رِوايةُ النَّسائيِّ: فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّما قُمْنا للمَلائِكةِ"؛ فبيَّنَ أنَّ قِيامَهُ ووُقوفَهُ كان تَعْظيمًا لمرورِ الملائِكةِ الَّتي صحِبَتْ تِلكَ الجِنازةَ. وفي روايةِ الإمامِ مُسلِمٍ من حَديثِ جابِرٍ رضِيَ اللهُ عنه بيَّنَ أنَّ السَّبَبَ هو التَّعظيمُ لأمْرِ المَوتِ، فقالَ: "إنَّ المَوتَ فَزَعٌ، فإذا رأيتُمُ الجِنازةَ فقُوموا"، وكذلِكَ التَّعْظيمُ لأمْرِ النَّفسِ والرُّوحِ الَّتي قَبضَتْها المَلائِكةُ، كما في الصَّحيحَينِ مِن حديثِ قَيسِ بنِ سَعدٍ وسَهلِ بنِ حُنَيفٍ، أنَّهما قالَا: "إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّتْ به جِنازةٌ فقامَ، فقيلَ: إنَّه يَهوديٌّ! فقال: أليستْ نفْسًا؟!"؛ فمَجْموعُ تِلك الأغْراضِ ممَّا جاءَ أنَّه سَببٌ لقِيامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عِندَ مُرورِ الجِنازةِ. ولكنْ جاءَ عِندَ مُسلمٍ عن عليٍّ رضِيَ اللهُ عنه ما يَنسَخُ قِيامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لجِنازةِ هذا اليَهوديِّ وغَيرِهِ، وفيه قالَ: "قامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثمَّ قعَدَ"، وهذا كان آخِرَ الأمرَينِ مِن فِعلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وقيلَ: بلْ يُجمَعُ بيْنَ هذه الأدِلَّةِ بأنْ يُحمَلَ القِيامُ للجَنائِزِ على التَّخْييرِ