حرمة الحرم 3
سنن النسائي
أخبرنا الحسين بن عيسى، قال: حدثنا سفيان، عن أمية بن صفوان بن عبد الله بن صفوان، سمع جده، يقول: حدثتني حفصة، أنه قال صلى الله عليه وسلم: «ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض، خسف بأوسطهم، فينادي أولهم وآخرهم، فيخسف بهم جميعا، ولا ينجو إلا الشريد الذي يخبر عنهم» فقال له رجل: أشهد عليك أنك ما كذبت على جدك، وأشهد على جدك أنه ما كذب على حفصة، وأشهد على حفصة أنها لم تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
مِن حِكمةِ اللهِ تعالى أنَّه في آخِرِ الزَّمانِ تَنقلِبُ المعاييرُ، وتَحدُثُ أمورٌ كثيرةٌ، حتَّى يُحاوِلَ بعضُ النَّاسِ غَزْوَ بيتِ اللهِ الحرامِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لَيَؤُمَّنَّ هذا البيتَ"، أي: سيَتَّجِهُ إلى الكعبةِ ويَقصِدُه "جيشٌ يَغْزونه"، أي: يأتي هذا الجيشُ لِيَهدِمَ الكَعبةَ، وفي صَحيحِ مُسلمٍ، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "سَيعوذُ بهذا البيتِ- يعنى الكعبةَ- قومٌ ليستْ لهم مَنَعةٌ، ولا عَددٌ ولا عُدَّةٌ، يُبعَث إليهم جيشٌ، حتَّى إذا كانوا ببيداءَ مِن الأرضِ خُسِفَ بهم". وورَد في بعضِ الرِّواياتِ أنَّهم مِن تلك الأمَّةِ، كما أخرَج مُسلِمٌ عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، قالتْ: "عبِثَ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم في مَنامِه، فقلنا: يا رسولَ اللهِ، صنعتَ شيئًا في منامِك لم تَكُن تَفعلُه؟ فقال: "العَجَبُ! إنَّ ناسًا مِن أمَّتي يَؤمُّون بالبيتِ برَجُلٍ مِن قُريشٍ، قد لَجأَ بالبيتِ، حتَّى إذا كانوا بالبَيداءِ خُسِفَ بهم، فقُلنا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ الطريقَ قد يَجمَعُ الناسَ؟ قال: " نعَمْ؛ فيهم المُستبصِرُ والمجبورُ وابنُ السَّبيلُ، يَهلِكون مَهْلَكًا واحدًا، ويَصدُرون مصادرَ شَتَّى، يَبعثُهم اللهُ على نِيَّاتِهم"، "حتَّى إذا كانوا بِبَيداءَ مِن الأرضِ"، والبيداءُ هي الصَّحراءُ، ويُوجَدُ موضِعٌ بينَ مكَّةَ والمدينةِ يُسمَّى البَيداءَ وهِيَ إلى مَكَّةَ أقربُ، ولعلَّه هو المقصودُ هنا، "خُسِف"، والخَسْفُ هو الذَّهابُ والغيابُ في باطنِ الأرضِ، كما حدَث لِقارونَ عليه لَعنةُ اللهِ، "بأَوْسَطِهم"، أي: بوَسَطِ الجيشِ وهم بينَ أوَّلِ الجيشِ وآخِرِه، "فيُنادي أوَّلُهم وآخِرُهم"، أي: عِندَما يرَوْن خَسْفَ ما بينَهما، "فيُخسَفُ بهم جميعًا"، أي: يُخسَفُ بأوَّلِ الجَيشِ وآخِرِه أيضًا، "ولا يَنْجو إلَّا الشَّريدُ الَّذي يُخبِرُ عنهم"، والشَّريدُ هو الطَّريدُ الَّذي ليس له مأوًى، والمرادُ هنا: مَن نَجا مِن الخَسْفِ، فيُخبِرُ عن تِلك الحادثةِ الَّتي حصَلَت ورَآها
وفي الحديثِ: إخبارُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن بَعضِ أُمورِ الغَيبِ، وهي علامةٌ مِن علاماتِ النُّبوَّةِ
وفيه: إهلاكُ اللهِ تعالى لِمَن أرادَ الاعتداءَ على البيتِ الحرامِ الذي شَرَّفَه اللهُ تعالى وكرَّمه