حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ 6
مستند احمد
حدثنا أسود بن عامر، قال: أخبرنا زهير، عن أبي روق الهمداني، أن أبا الغريف، حدثهم قال: قال صفوان: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية قال: «سيروا باسم الله، في سبيل الله، تقاتلون أعداء الله، لا تغلوا، ولا تقتلوا [ص:18] وليدا، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن يمسح على خفيه، إذا أدخل رجليه على طهور، وللمقيم يوم وليلة»
كَانَت دَعوةُ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى النَّاسِ كافَّةً؛ عَرَبِهم وعَجَمِهم، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَبعَثُ الجيوشَ والسَّرايا ليُعلِمَ النَّاسَ بدَعوةِ التَّوحيدِ، ولِيَدخُلوا في دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي بُرَيدةُ بنُ الحُصَيبِ الأسلميُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا جعَل أحدًا مِن أصحابِه رَضيَ اللهُ عنه أمِيرًا على جَيْشٍ أو «سَرِيَّةٍ»؛ سُمِّيَتْ بذلك لأنَّها كانت تَسْرِي في اللَّيْلِ وتُخفِي ذَهابَها، ثُمَّ أُطلِقَتْ على كلِّ قِطْعَةِ جَيْشٍ خَرَجت ليلًا أو نَهارًا، وعَدَدُها مِن مِائَةٍ إلى خَمْسِ مِائَةٍ، أَوْصَى النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك الأميرَ "في خاصَّتِه" أي: في حقِّ نفسِه خُصوصًا، بتَقْوَى الله، وأَوْصَاه خيرًا بِمَنْ معه مِن المسْلِمين، أنْ يَتَّقِيَ اللهَ فيهم ولا يَخُونَهم ولا يُشَدِّدَ عليْهِم، وأنْ يُسَهِّلَ لهُم مِن أمرِهم، ثُمَّ قال لِأَمِيرِ الغَزْوَةِ ولمَن معه: «اغْزُوا بِاسْمِ الله» أي: مُستعِينِينَ بذِكْرِه، في سَبِيلِ الله، ولِأَجْلِ مَرْضاتِه وإعلاءِ دِينِه لا للمَغنَمِ ولا للعصبيَّةِ ولا لإظهارِ الشَّجاعةِ، «قاتِلُوا مَن كَفَر بالله» أي: إنَّ القتالَ والغزْوَ يَختصَّان بمَن ليْس على التَّوحيدِ، «اغْزُوا ولا تَغُلُّوا» أي: لا تَخُونوا في الغَنِيمَةِ، فلا تَأخُذوا منها قبْلَ قِسمتِها، «ولا تَغدِروا» أي: لا تَنقُضوا العَهْدَ مع المعاهَدِين بقِتالِهم وسَبيِ أموالِهم، وقيل: لا تُحارِبوهم قَبْلَ أن تَدْعُوهم إلى الإسلامِ، «ولا تُمثِّلوا» مِنَ المُثْلةِ، أي: لا تُشوِّهوا القَتلى ولا تَقطَعوا أطرافَ القَتِيلِ مِنَ الأَنْفِ والأُذُنِ والمَذاكِيرِ وغيرِها، ولا تَقتُلوا «وَلِيدًا» أي: صَبِيًّا لأنَّه لا يُقاتِلُ، والمرادُ: مَن لم يَبلُغْ سِنَّ التَّكليفِ
ثمَّ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَأمُرُ أميرَ الجيشِ وقائدَه أنَّه إذا لَقِي عدُوَّه مِن المشْرِكين، فلْيَدْعُهم ويُخيِّرْهم بيْنَ «ثَلاثِ خِصَالٍ أو خِلَالٍ» أي: شُروطٍ مُرَتَّبةٍ، فأيُّ واحدٍ مِن تلك الشُّروطِ أجابوا إليها، وقَبِلوها، فاقْبَلْ مِنهم، «وكُفَّ» نفْسَكَ وامْتَنِعْ عنهم وعن قِتالِهم وإيذائهِم
وأوَّلُ تلك الخِصالِ: «ادْعُهُمْ إلى الإسلامِ» أي: إلى الإيمانِ باللهِ وَحْدَه، وتَرْكِ ما هُم عليه مِن الشِّركِ، فإن اسْتَجابوا إلى الإسلامِ والانقيادِ للأوامرِ الشَّرعيَّةِ، «فاقْبَلْ مِنهم وكُفَّ عنهم» فلا تُقاتِلْهم، «ثمَّ ادْعُهُمْ إلى التحوُّلِ» أي: الانتِقالِ مِن دارِهم، ويُهاجِروا إلى «دارِ المُهاجِرِينَ»، أي: إلى دارِ الإسلامِ، وكانت الهجرةُ في ذلك الوقتِ واجبةً، ثمَّ انقَطَعَت بفَتحِ مكَّةَ، وقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا هِجرةَ بعْدَ الفتحِ» مُتَّفقٌ عليه
وإنَّهم إنْ هاجَروا «فلَهُمْ ما لِلمُهاجِرِينَ» مِنَ الثَّوَابِ واستِحقاقِ ما يَأتي مِن قِسمةِ أموالِ الغنائمِ وما يُفِيءُ اللهُ به عليهم، «وعليهم ما على المُهاجِرِينَ» مِنَ الغَزْوِ، فإنْ أَبَوْا وامتَنَعوا عن الهجرةِ، «فأَخْبِرْهُم أنَّهم يكونون كأَعْرَابِ المسلمين» وهم الَّذِينَ لازَمُوا أوطانَهم في البادِيَةِ لا في دارِ الكُفْرِ، «يَجْرِى عليهم حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي على المؤمِنينَ» مِن وُجوبِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ وغيرِهما، والقِصاصِ والدِّيَةِ ونحوِهما مِن العُقوباتِ الدِّينيَّةِ والحدودِ الشَّرعيَّةِ، «ولا يكونُ لهم في الغَنِيمَةِ والفَيْءِ شيءٌ إلَّا أن يُجاهِدوا مع المسْلِمين» فيَخرُجوا لقِتالِ الكفَّارِ والغزْوِ
والخَصلةُ الثَّانيةُ: إنِ امتَنَعوا عن الإسلامِ، فليَأمُرْهم بدَفعِ الجِزيةِ، وهي: ما يُفرَضُ عليهم مِن أموالٍ لِبقائهِم على كُفرِهم، ويكونُ ذلك بمَثابةِ عَهدٍ لهم على عَدَمِ قِتالِهِم، وأُمُورٍ أُخرَى مِثلِ الدِّفَاعِ عنهُم ودُخولِهم في حِمايةِ المسلمينَ. «فإنْ هُم أجابوك» أي: قَبِلوا دفْعَ الجِزْيةِ، فامْتَنِعْ عنهم وعن قِتالِهم، فإنِ امتَنَعوا عن قَبولِ الجِزْيةِ، «فاسْتَعِنْ باللهِ وقاتِلْهم» وهذه هي
الخَصْلَةُ الثَّالِثةُ ثمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وإذا حاصَرْتَ أهلَ حِصْنٍ» مِنَ حُصونِ الكُفَّارِ، فطَلَبوا منك أنْ تَجْعَلَ لهم «ذِمَّةَ الله وذِمَّةَ نَبِيِّه» أي: عَهْدًا ألَّا تَتعرَّضَ لهم بقَتلٍ أو غيرِه، «فلا تَجْعَلْ لهم ذِمَّةَ الله ولا ذِمَّةَ نبيِّه» أي: لا تُعطِهم ولا تُنزِلْهم على عَهدٍ مِن اللهِ ولا مِن رَسولِه، «ولَكِنِ اجْعَلْ لهم ذِمَّتَكَ وذِمَّةَ أصحابِك» أي: عَهدِكَ وعَهدِ مَن معكَ في الجيشِ على ألَّا تَتعرَّضوا لهم إذا نَزَلوا مِن الحصنِ، وبَيَّن له سَببَ ذلك بقولِه: «فإنَّكُمْ أَنْ تُخفِروا» أي: تَنقُضوا ذِمَمَكم وذِمَمَ أصحابِكم، «أَهْوَنُ مِن أنْ تُخفِروا ذِمَّةَ الله وذِمَّةَ رسولِه»؛ وذلك لأنَّهم لو نَقَضوا عَهْدَ اللهِ ورسولِه لم يُدْرَ ما يُصنَعُ بهم حتَّى يُؤذَنَ لهم بِوَحْيٍ ونحوِه فيهم، وقد يَتعذَّر ذلك عليه، بِخِلافِ ما إذا نَقَضوا عهدَ الأميرِ أو عهدَ أصحابِه، فإنَّه إذا نزَل عليهم فَعَل بهم مِن قَتْلِهم أو ضَرْبِ الجِزْيَةِ عليهم أو استِرقاقِهم أو المَنِّ أو الفِدَاءِ بِحَسَبِ ما يَرَى مِن المصلحةِ في حقِّهم. وهذا على وَجهِ الاحتياطِ والإعظامِ لعَهدِ اللهِ ورَسولِه خَوفًا مِن أنْ يَتعرَّضَ لنَقضِه مَن لا يَعرِفُ حقَّهما
ثمَّ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأميرِ الجهادِ: «وإنْ حاصَرْتَ أهلَ حِصْنٍ» ومَنَعْتَهم مِن النُّزولِ «فأرادوكَ أنْ تُنْزِلَهم» مِن حِصنِهم برَفعِ الحِصارِ وتَركِه «على حُكمِ اللهِ» وما حَكَم اللهُ به فيهم مِن القتلِ أو الاسترقاقِ أو الفِداءِ أو المَنِّ، «فلا تُنْزِلْهم على حُكمِ اللهِ، ولكنْ أَنْزِلْهُم على حُكمِكَ» أي: ما حكَمْتَ أنتَ فيهم باجتهادِكَ؛ «فإنَّك لا تَدرِي» أَتُصِيبُ حُكمَ اللهِ فيهم أمْ لا؟ فهذا النَّهيُ؛ لأنَّه ربَّما يُخطِئُ فيهم حُكمَ اللَّهِ، أو لا يَفِي به فيَأثَمَ، فيكونُ ذلك إذا أنْزَلَهم على حُكمِ نَفْسِه أهونَ منه إذا أنْزَلَهم على حُكمِ اللهِ تَعالَى ورَسولِه. وإذا نَقَضوا حُكمَك فيهم، فلَكَ أنْ تَفْعَلَ بهم مِن قَتْلِهم أو ضَرْبِ الجِزْيَةِ عليهم أو استِرقاقِهم أو المَنِّ أو الفِداءِ بِحَسَبِ ما تَرَى مِنَ المَصْلَحَةِ في حقِّهم
وفي الحديثِ: بيانُ آدابِ الغَزْوِ
وفيه: وَصِيَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُمَراءِ الجُيوشِ قَبْلَ الغَزْوِ
وفيه: تَأميرُ الإمامِ الأُمَراءَ على البُعوثِ
وفيه: بَيانُ تَحريمِ الغدْرِ
وفيه: بَيانُ تَحريمِ الغُلولِ
وفيه: بَيانُ تَحريمِ قَتلِ الصِّبيانِ إذا لم يُقاتِلوا
وفيه: النَّهيُ عن المُثلةِ