فيمن أحب لقاء الله 2
سنن النسائي
قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، حدثني مالك، ح وأنبأنا قتيبة، قال: حدثنا المغيرة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه "
لا شكَّ أنَّ الدُّنيا دارُ فَناءٍ، وأنَّ الآخرةَ هي دارُ البقاءِ، وأنَّنا في الدُّنيا كعابرِ سَبيلٍ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ مَنْ أحَبَّ لِقاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقاءَه؛ لِما يترتَّبُ على هذا اللِّقاءِ وتلك المحبَّةِ مِن الجزاءِ بالنَّعيمِ، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقاءَه؛ لِما يترتَّبُ على هذا اللِّقاءِ وتلك الكراهيةِ مِنَ الجَزاءِ بالعَذابِ والعِقابِ، ومَحبَّةُ اللِّقاءِ هي إيثارُ العبْدِ الآخرةَ على الدُّنيا، وعَدمُ حُبِّ طُولِ القيامِ في الدُّنيا، والاستعدادُ لِلارتحالِ عنها، والمرادُ بِاللِّقاءِ: المصيرُ إلى الدَّارِ الآخرةِ وطلَبُ ما عندَ اللهِ وليْس الغرضُ به الموتَ، وقدِ استَشْكَلَتْ أُمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ رضِي اللهُ عنها قَولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَنْ أحبَّ لقاءَ اللهِ»؛ لأنَّ الموتَ لا يُحِبُّه أحدٌ بِطبيعةِ خِلقةِ النَّاسِ وما جُبِلوا عليه، فبيَّن لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المقصودَ ليسَ ذلك، بَلِ المقصودُ أنَّ المُؤمِنَ إذا جاءَه الموتُ فإنَّه يرَى البُشرى مِنَ اللهِ سُبحانَه وتعالَى لِمَا يَنتظِرُه عنده مِن حُسنِ الجزاءِ، فلا يكونُ شَيءٌ أحبَّ إليه مِن ذلك، فأحَبَّ لِقاءَ اللهِ وأحبَّ اللهُ لقاءَه، وأمَّا الكافرُ فإنَّه إذا جاءَه الموتُ يَرى ما وَعَدَه ربُّه مِنَ العذابِ والنَّكالِ حقًّا أمامَ عينَيْه، فلا يكونُ شَيءٌ أكرَهَ إليه مِن ذلك، فكرِهَ لقاءَ اللهِ، وكرهَ اللهُ لِقاءَه
وفي الحَديثِ: أنَّ المجازاةَ مِن جِنسِ العملِ؛ فإنَّه قابَلَ المحبَّةَ بِالمحبَّةِ، والكراهةَ بِالكراهةِ
وفيه: الترغيبُ فيما عند اللهِ عزَّ وجَلَّ في الآخِرةِ
وفيه: إثباتُ صِفةِ الحُبِّ والكُرهِ للهِ عزَّ وجَلَّ على ما يَليقُ به سُبحانَه