لبس خاتم صفر 2
سنن النسائي
أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف الحراني، قال: حدثنا هارون بن إسمعيل، قال: حدثنا علي بن المبارك، قال: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما، ونقش عليه نقشا، قال: «إنا قد اتخذنا خاتما، ونقشنا فيه نقشا، فلا ينقش أحد على نقشه»، ثم قال أنس: «فكأني أنظر إلى وبيصه في يده»
لَمَّا أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يكتُبَ للمُلوكِ ويبعَثَ إليهم الرَّسائلَ ليدعُوَهم إلى الإسلامِ؛ اتَّخَذَ خاتَمًا، وكان نَقْشُه: محمَّدٌ رسولُ اللهِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ أنَسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنه: خرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "وقد اتَّخَذَ حَلْقةً مِن فضَّةٍ"، أي: أمَر بأنْ يُصاغَ له خاتَمٌ مِن فضَّةٍ، وقيل: بل وجَده مَصُوغًا، فلَبِسَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يلبَسُ الخاتَمَ في إصبَعِه الخِنصِرِ، في يَدِه اليُمْنى؛ لأنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان يُعجِبُه التَّيمُّنُ في تنعُّلِه وترجُّلِه وطُهورِه، وقيل: كان الخاتَمُ في يدِه اليُسرى، وقيل: اتَّخَذَ أكثرَ مِن خاتَمٍ، أحدُهم لخَتْمِ الرَّسائلِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن أراد أن يصُوغَ عليه، فلْيفعَلْ"، أي: مَن شاء أن يصطنِعَ، ويتَّخِذَ خاتَمًا على هيئتِه وشَكلِه، فليفعَلْ، ولا حرَجَ عليه، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ولا تنقُشوا على نَقْشِه"، أي: لا تكتُبوا على خواتيمِكم مِثْلَ نَقْشِ خاتَمي: "محمَّدٌ رسولُ اللهِ"؛ لأنَّ ذلك النَّقْشَ يَتضمَّنُ اسمَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وصِفتَه بأنَّه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى النَّاسِ، فلا يَنبغي لأحَدٍ أن يصِفَ نفسَه بصِفةِ رَسولِ اللهِ، وقيل: لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لَبِسَ الخاتَمَ لكي يختِمَ به رَسائلَ ملوكِ العَجَمِ، وكان هذا الخَتْمُ علامةً له صلَّى اللهُ عَليه وسلَّمَ، فلو نقَش أحدٌ مِثْلَ نَقْشِ خاتَمِه لكانَتْ هناك مفسَدةٌ، وذلك النَّهيُ خاصٌّ بحياتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ لأنَّ الخلفاءَ رَضِي اللهُ عَنهم أبا بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، لَبِسوا الخاتَمَ بعدَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وبه نفْسُ النَّقشِ، وقد استَمرَّ ذلك الخاتَمُ مع أبي بَكرٍ وعُمرَ وفَترةً مع عُثمانَ حتَّى سقَط مِنه في بِئرٍ ولم يَعثُروا عليه، ولعلَّ اتِّخاذَهم خاتَمَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لِيَدُلُّوا على أنَّهم على نَهْجِه وأنَّهم خُلَفاؤُه في إنفاذِ شَرعِ اللهِ وسِياسةِ النَّاسِ غيرَ مُبدِّلين
وفي الحديثِ: تنبيهُ النَّاسِ بالخُطَبِ العامَّةِ فيما قد يشتبِهُ عليهم مِن أحكامٍ