ما جاء في كتاب القصاص من المجتبي مما ليس في السنن تأويل قول الله عز وجل، ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها 2
سنن النسائي
أخبرنا أزهر بن جميل، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الكوفة في هذه الآية: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} [النساء: 93] فرحلت إلى ابن عباس فسألته فقال: «نزلت في آخر ما أنزلت وما نسخها شيء»
قَتْلُ المُسلِمِ عمدًا جريمةٌ عُظْمَى، مِن أشدِّ الجرائمِ في الإسلامِ، ومِن أكثرِها تَغليظًا في العقوبةِ، حتَّى قيل: ليس له توبةٌ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ زيدُ بنُ ثابتٍ رَضِي اللهُ عَنه في قولِه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93]، وهذا بَيانُ أنَّه ليس للقاتلِ توبةٌ مع ما له مِن شِدَّةِ عذابٍ، وهو خُلودُه في النَّارِ؛ قال زيدٌ رَضِي اللهُ عَنه: "نزلَتْ هذه الآيةُ بعدَ الَّتي في (تَبَارَكَ) الفُرْقانِ"، أي: الَّتي في سورةِ الفُرقانِ، "بثمانيةِ أشهُرٍ"، وفي روايةٍ: "ستَّةِ أشهُرٍ"، وهي قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]، أي: إنَّ مَن يقَعُ في تلك المُحرَّماتِ له مِن عَظيمِ الجزاءِ وأشدِّه، إلَّا مَن تابَ ورجَع؛ لِمَا ذُكِرَ في قولِه تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70]، والمرادُ مِن قولِ زَيْدٍ: بيانُ حُكمِ النَّسخِ لِمَن قَتَلَ مُؤمِنًا عَمْدًا، أنَّه ليس له توبةٌ، مع ما له مِن عذابٍ يومَ القيامةِ مِن تَخليدٍ في النَّارِ
قيل: إنَّ هذا النَّسخَ إنَّما هو مَحمولٌ على التَّغليظِ والتَّحذيرِ مِن القَتْلِ، وليس المرادُ انتِفاءَ التَّوبةِ عَن القاتلِ، وإنَّ مذهبَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في ذلك: أنَّ له توبةً؛ لِمَا في قولِه تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]
وفي الحديثِ: بيانُ سَعَةِ عِلمِ زَيدٍ رَضِي اللهُ عَنه بالقُرآنِ وعُلومِه