مذ متى تدرسون الحكمة ولا تلين لها قلوبكم؟
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدثنا جعفر بن أحمد الدهان الكوفي، حدثنا علي بن عبد الحميد، حدثنا جعفر بن صبيح، عن عيسى المرادي قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام إن كنتم أصحابي وإخواني فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس فإنكم إن لم تفعلوا فلستم لي بإخوان، إني إنما أعلمكم لتعملوا لا لتعجبوا إنكم لا تبلغون ما تأملون إلا بصبركم على ما تكرهون , ولا تنالون ما تريدون إلا بترككم ما تشتهون، إياكم والنظرة؛ فإنها تزرع في القلوب شهوة , وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن كان بصره في قلبه ولم يكن قلبه في بصر عينيه ما أبعد ما فات وما أدنى ما هو آت، ويل لصاحب الدنيا كيف يموت وتتركه، ويثق بها وتغره، ويأمنها وتمكر به، ويل للمغترين قد [ص:168] آزفهم ما يكرهون وجاءهم ما يوعدون وفارقوا ما يحبون في طول الليل والنهار، وويل لمن كانت الدنيا همه , والخطايا عمله كيف يفتضح غدا بربه، ولا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم وإن كانت لينة؛ فإن القلب القاسي بعيد عن الله عز وجل , ولكن لا تعلمون، لا تنظروا في ذنوب الناس كهيئة الأرباب، فانظروا في ذنوبكم كهيئة العبيد، إنما الناس رجلان: معافى ومبتلى , فاحمدوا الله على العافية , وارحموا أهل البلاء، متى نزل الماء على جبل إلا يلين له؟ ومذ متى تدرسون الحكمة ولا تلين لها قلوبكم؟ بقدر ما تواضعون، وبقدر ما تحرثون كذلك تحصدون، علماء السوء مثلهم كمثل الشجرة الدفلى تعجب من نظر إليها وتقتل من يأكلها، كلامكم شفاء يبرئ الداء وأعمالكم داء لا يبرئه شفاء، جعلتم المعلم تحت أقدامكم مثل عبيد السوء، بحق أقول لكم وكيف أرجو أن تنتفعوا بما أقول وأنتم الحكمة تخرج من أفواهكم ولا تدخل آذانكم، وإنما بينهما أربع أصابع , ولا تعيها قلوبكم، فلا أحرار كرام ولا عبيد أتقياء "