‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه532

مسند احمد

‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه532

حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن عمرو، عن عمر (2) بن الحكم بن ثوبان، أن أبا سعيد الخدري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجرز (1) على بعث أنا فيهم، حتى انتهينا إلى رأس غزاتنا، أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش، وأمر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، وكان من أصحاب بدر، وكانت فيه دعابة - يعني مزاحا (2) - وكنت ممن رجع معه، فنزلنا ببعض الطريق، قال: وأوقد القوم نارا ليصنعوا عليها صنيعا لهم، أو يصطلون قال: فقال لهم: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى. قال: فما أنا بآمركم بشيء إن صنعتموه (3) ؟ قالوا: بلى. قال: أعزم عليكم بحقي وطاعتي، لما تواثبتم في هذه النار، فقام ناس فتحجزوا، حتى إذا ظن أنهم واثبون، قال: احبسوا أنفسكم، فإنما كنت أضحك معكم، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قدموا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أمركم منهم بمعصية، فلا تطيعوه " (4)

أمَر الشَّرعُ الحنيفُ بطاعةِ وُلاةِ الأمورِ في المعروفِ، وليس لأحَدٍ طاعةٌ على أحدٍ في معصيةِ اللهِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبرُ أبو سعيدٍ الخُدْريُّ رَضِي اللهُ عَنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعَث عَلْقمةَ بنَ مُجزِّزٍ على بَعْثٍ"، أي: جعَلَه أميرًا على جيشٍ أو مَجموعةٍ مِن المحارِبين، "وأنا فيهم"، أي: وأبو سعيدٍ الخُدريُّ رَضِي اللهُ عَنه أحَدُ هؤلاءِ المبعوثينَ تحتَ إمرَةِ عَلقَمةَ، قال: "فلمَّا انتَهى إلى رأسِ غَزاتِه أو كان ببَعضِ الطَّريقِ". وفي روايةٍ: "رَأْسِ مَغْزانا"، قال أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "استَأذَنَتْه طائفةٌ"، أي: مجموعةٌ، "مِن الجيشِ، فأَذِن لهم وأمَّر عليهم عبدَ اللهِ بنَ حُذافةَ بنِ قيسٍ السَّهميَّ"، وفي روايةٍ: "فبَعَث سَرِيَّةً، واستَعمَل عليهم عبدَ اللهِ بنَ حُذافةَ السَّهميَّ"، قال أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فكنتُ فيمَن غَزا معَه"، أي: خرَج مع ابنِ حُذافةَ رَضِي اللهُ عَنه، "فلمَّا كان ببَعضِ الطَّريقِ أوقَدَ القومُ نارًا لِيَصطَلوا"، أي: لِيَقُوا أنفُسَهم مِن البَردِ بالتَّدفئةِ، "أو لِيَصنَعوا عليها صَنيعًا"، أي: مِن طعامٍ وغيرِه، "فقال عبدُ اللهِ، وكانتْ فيه دُعابةٌ"، أي: كان فيه حُبٌّ للمِزاحِ والمزحة: "ألَيسَ لي عَليكُم السَّمعُ والطَّاعةُ؟!"، أي: إنَّ مِن حقِّ الإمامِ على المأمومِ السَّمعُ والطَّاعةُ، قال الَّذين كانوا معَه: "بَلى"، أي: أقَرُّوه على هذا الحقِّ، قال ابنُ حُذافةَ رَضِي اللهُ عَنه: "فمَا أنا بآمِرِكم بشيءٍ إلَّا صنَعتُموه؟!"، أي: لو أنِّي أمَرتُكم بفِعلِ أيِّ شيءٍ أنفَذْتُموه؟ قالوا: "نعَم"، قال ابنُ حُذافةَ: "فإنِّي أعزِمُ عليكُم"، أي: آمُرُكم "إلَّا تَواثَبتُم"، أي: قفَزتُم ودخَلتُم "في هذه النَّارِ"، وكان هذا على سبيلِ الدُّعابةِ، وليس الحَقيقةِ، "فقام ناسٌ فتَحجَّزوا"، أي: أعَدُّوا أنفُسَهم للوُثوبِ، واجتَمَعوا لذلك؛ ظنًّا مِنهم أنَّ هذا مِن السَّمعِ والطَّاعةِ اللَّازمةِ للإمامِ، قال أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فلمَّا ظنَّ أنَّهم واثِبون"، أي: فلمَّا تأكَّد وتيَقَّن أنَّهم سيَقفِزون في النَّارِ طاعةً له، قال ابنُ حُذافةَ رَضِي اللهُ عَنه: "أمسِكوا على أنفُسِكم"، أي: توَقَّفوا وامتَنِعوا، "فإنَّما كنتُ أمزَحُ معَكم"، أي: كان هذا مِن قَبيلِ الدُّعابةِ، وفي الصَّحيحينِ مِن حديثِ عليٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "فلمَّا همُّوا بالدُّخولِ، فقام يَنظُرُ بعضُهم إلى بعضٍ، قال بعضُهم: إنَّما تَبِعْنا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فِرارًا مِن النَّارِ أفنُدخِلُها؟!".
قال أبو سَعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فلمَّا قَدِمْنا"، أي: رجَعوا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "ذكَروا ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: ما أمَرَهم به ابنُ حُذافةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن أمَرَكم مِنهم بمَعصيةِ اللهِ فلا تُطيعوه"، وفي روايةِ الصَّحيحَين مِن حديثِ عليٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "فقال للَّذين أرادوا أن يَدخُلوها: لو دَخَلوها لم يَزالوا فيها إلى يومِ القيامةِ، وقال للآخَرينَ: لا طاعةَ في معصيةٍ، إنَّما الطَّاعةُ في المعروفِ".