مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه639
مسند احمد
حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: جاءت امرأة صفوان بن معطل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن صفوان يفطرني إذا صمت، ويضربني إذا صليت، ولا يصلي الغداة حتى تطلع الشمس، قال: فأرسل إليه، فقال: " ما تقول هذه؟ " قال: أما قولها: يفطرني، فإني رجل شاب وقد نهيتها أن تصوم، قال: فيومئذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصوم المرأة إلا بإذن زوجها. قال: وأما قولها: إني أضربها على الصلاة، فإنها تقرأ بسورتين فتعطلني، قال: " لو قرأها الناس ما ضرك "، وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس، فإني ثقيل الرأس، وأنا من أهل (1) بيت يعرفون بذاك بثقل الرءوس قال: " فإذا قمت فصل
أكَّدَ الإسلامُ على حَقِّ الزَّوجِ على زَوْجِه وعلى طاعةِ المرأةِ لزَوْجِها، لا سيَّما في العِشْرةِ الزَّوجيَّةِ، وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك؛ حيث جاءت امرأةُ صَفوانَ بنِ المُعَطَّلِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تشتكي صَفْوانَ، وعِندَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابُه، وفيهم صَفْوانُ، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ زوجي صفوانَ بنَ المُعَطَّلِ يَضرِبُني إذا صلَّيْتُ، ويُفَطِّرُني إذا صُمْتُ، أي: يأمُرُني بالإفطارِ ويُبْطِلُ صومي، ولا يُصلِّي صلاةَ الفَجرِ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ، فسأله عمَّا قالت، فقال: يا رسولَ اللهِ، أمَّا قولُها: يضربني إذا صلَّيْتُ، فإنَّها تقرأُ بسُورتَيْنِ، أي: طويلتَيْنِ؛ فتَنشغِلُ عنِّي بالصَّلاةِ وأنا أُريدُ الاستمتاعَ بها، وقد نَهَيْتُها، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لو كانتْ سورةٌ واحدةٌ لَكَفَتِ النَّاسَ)، أي: حصَلَ لكِ الثَّوابُ بذلك، وتمَّتْ صلاتُكِ، وكأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُشيرُ إلى الفاتحةِ، ولم يَزجُرِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَفوانَ عن ضَرْبِها، وفي ذلك إشارةٌ إلى أنَّ للرَّجُلِ أنْ يضرِبَ زوجتَه ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ عِندَ امتناعِها عن إيفاءِ حقِّه.
قال صَفوانُ رضِيَ اللهُ عنه: وأمَّا قولُها: يُفَطِّرُني إذا صُمْتُ، فإنَّها تَنطلِقُ فتصومُ، وأنا رجُلٌ شابٌّ، فلا أَصْبِرُ، أي: عن الجِماعِ نهارًا؛ لانشغالي ليلًا -كما سُيبِّينُ-، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لا تَصومُ امرأةٌ إلَّا بإذِنْ زوجِها)، أي: صيامَ التَّطوُّعِ؛ لأنَّ الزَّوجَ ليس له أنْ يمنعَها عن أداءِ الفريضةِ، ولأنَّ في هذا حُسْنَ مُعاشَرةٍ ودَفْعًا للبغضاءِ بينهما، فإنْ صامَتِ المرأةُ دونَ أنْ يقَعَ تقصيرٌ منها في واجباتِ الزَّوجِ فلا حَرَجَ في ذلك.
قال: وأمَّا قولُها: إنِّي لا أُصلِّي حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ، فإنَّا أهْلُ بيتٍ قد عُرِفَ لنا ذاك، أي: أهْلُ صَنْعَةٍ لا ننامُ باللَّيلِ؛ لأنَّهم كانوا يَسْقونَ الماءَ طَوالَ اللَّيلِ، فكان عادتُهم ذلك، وتطبَّعوا عليها، لا نَكادُ نستيقِظُ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ، أي: ينامون من التَّعَبِ كالمَوْتى، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (فإذا استيقظْتَ فصَلِّ)، وهذا من لُطْفِ اللهِ بعبادِه، ورِفْقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأُمَّتِه؛ حيث قَبِلَ منه العُذْرَ مع تقصيرِه، ولم يُعَنِّفْه على تَرْكِ الصَّلاةِ في أوقاتِها؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ هذا منه في وقتٍ دونَ آخَرَ، إذا لم يكُنْ بجِوارِه مَنْ يوقِظُه للصَّلاةِ، فقدْ كان يَسقي الماءَ طَوالَ اللَّيلِ؛ فينامُ في مكانِه كالمُغْمَى عليه من شِدَّةِ التَّعبِ، فيأخُذُه النَّوْمُ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ، فكان بهذا من المعذورين.
وفي الحديثِ: بيانٌ واضحٌ لحَقِّ الرِّجالِ على النِّساءِ.