مسند أبي هريرة رضي الله عنه 196
مسند احمد
حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ضرب أحدكم، فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته»
الإنْسانُ هو صَنْعةُ اللهِ التي كرَّمَها وفَضَّلَها على كَثيرٍ ممَّن خَلَقَ، وقد أَمَرَنا باحتِرامِ النَّفسِ البَشَريَّةِ، وخاصَّةً الوَجْهَ الذي هو أَشرَفُ ما في الإنْسانِ، ومَناطُ العِزَّةِ والكَرامةِ فيه
وفي هذا الحديثِ يَنْهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ضَربِ الوَجْهِ، وهو مُطلَقٌ في كُلِّ ضَرْبٍ يُباشِرُه الإنسانُ؛ سواءٌ في حقِّ زَوجتِه أو عَبدِه ومَولاتِه، حتى وإنْ فُرِضَ علَيه مُقاتَلةُ أَخيه المُسلمِ؛ فإنَّه في كُلِّ ذلك لا يَعتَدي على الوَجْهِ أو يَقصِدَ ذلك.ثُمَّ نَهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن تَقْبيحِ الوَجْهِ، وهو: سَبُّهُ وتَعييبُه؛ وذلك لأنَّ الوَجْهَ أَعظَمُ الأَعضاءِ وأَظهَرُها، ومُشتمِلٌ على مُعظَمِ أَجزاءِ الحَواسِّ، كما نَهى أنْ يَتَمادى الإنسانُ في السَّبِّ فيَقولَ: "قَبَّحَ اللهُ وَجْهَك ووَجْهَ مَن أَشْبَهَ وَجْهَك"؛ فيَكونَ سَبُّه لجَميعِ خَلْقِ اللهِ، ويَدخُلُ فيهمُ الأنبِياءُ والصَّالِحون؛ لأنَّ اللهَ تعالى هو الذي صوَّرَ الوَجْهَ والجِسمَ وأَحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَه، وذَمُّ الصَّنْعةِ يَعودُ إلى مَذمَّةِ الصَّانِعِ؛ "فإنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ آدَمَ على صُورتِه"، والمعنى: أنَّ اللهَ تعالى سَميعٌ بَصيرٌ، مُتكلِّمٌ إذا شاءَ ومتَى شاءَ، وله وَجْهٌ يَليقُ بكَمالِه وجَلالِه، وهكذا خَلَقَ اللهُ آدَمَ سَميعًا بَصيرًا، ذا وَجْهٍ، وذا يَدٍ، وذا قَدَمٍ، وليس معنى ذلك أنَّ وَجْهَ الرَّبِّ جلَّ جَلالُه يُشبِهُ وَجْهَ الإنْسانِ؛ بل ليس السَّمْعُ كالسَّمعِ، وليس البَصَرُ كالبَصَرِ، وليس التَّكلُّمُ كالتَّكلُّمِ، بل للهِ صِفاتُه جلَّ وعَلا التي تَليقُ بجَلالِه وعَظَمتِه، وللعَبدِ صِفاتُه التي تَليقُ به؛ فصِفاتُ العَبدِ يَعتَريها الفَناءُ والنَّقْصُ، وصِفاتُ اللهِ سبحانَه كامِلةٌ لا يَعتَريها نَقْصٌ ولا زَوالٌ ولا فَناءٌ؛ ولهذا قالَ عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وقالَ سبحانَه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]. وهذا الحديثُ مِن أحاديثِ الصِّفاتِ التي تُمَرُّ كما جاءَتْ مِن غَيرِ تَحريفٍ أو تَعطيلٍ، ومِن غَيرِ تَكييفٍ أو تَمثيلٍ، وخَصَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آدَمَ بالذِّكْرِ؛ لأنَّه أبو البَشَرِ، وهو الذي تَخلَّقَ بعْدَه أَبناؤُه على خِلْقتِه وصُورتِه، وأَضافَها اللهُ عزَّ وجلَّ إلى نَفْسِه تَشريفًا وتَكريمًا لخَلْقِ الإنْسانِ