مسند أبي هريرة رضي الله عنه 842
حدثنا هاشم، والخزاعي يعني أبا سلمة، قالا: حدثنا ليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن سالم بن أبي سالم، عن معاوية بن معتب الهذلي، عن أبي هريرة: أنه سمعه يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا رد إليك ربك في الشفاعة؟ فقال: «والذي نفس محمد بيده، لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي، لما رأيت من [ص:433] حرصك على العلم، والذي نفس محمد بيده، ما يهمني من انقصافهم على أبواب الجنة، أهم عندي من تمام شفاعتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا، يصدق قلبه لسانه، ولسانه قلبه»
كان الصَّحابةُ الكِرامُ حَريصينَ على سُؤالِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أهمِّ الأُمورِ التي تَنفَعُهم وتُنجِّيهم في الآخِرةِ، ومِن ذلك حِرصُهم على نيْلِ شَفاعتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
كما في هذا الحديثِ، حيثُ يَروي أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُئِلَ عن أسعَدِ النَّاسِ بشَفاعتِه يومَ القِيامةِ، والسائلُ هو أبو هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، فأجابَه النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّ أسعدَ الناسِ بشَفاعتِه يومَ القِيامةِ هو مَن قال: «لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» مُعتقِدًا معْناها، عاملًا بمُقتضاها إجمالًا، مُخلِصًا في الإيمانِ بتَرْكِ الشِّركِ، وفي الطاعةِ بتَرْكِ الرِّياءِ.وكَونُ المؤمِنِ المُخلِصِ أكثَرَ سَعادةً مِن غيرِه بالشَّفاعةِ؛ لأنَّ التَّفضيلَ يكونُ بحسَبِ المَراتبِ، فيكونُ هو أسعَدَ ممَّن لم يكُنْ في هذه المَرتبةِ مِن الإخلاصِ المُؤكَّدِ البالِغِ غايتَه، وكثيرٌ مِن الناسِ يَحصُلُ له سَعْدٌ بشَفاعتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لكنَّ المؤمنَ المُخلِصَ أكثَرُ سَعادةً بها؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَشفَعُ في الخلْقِ بإراحتِهم مِن هَولِ المَوقفِ، ويَشفَعُ في بَعضِ الكفَّارِ بتَخفيفِ العذابِ، كما صحَّ في حقِّ أبي طالبٍ عمِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَشفَعُ في بَعضِ المؤمنينَ بالخروجِ مِن النارِ بعْدَ أنْ دَخَلوها، وفي بَعضِهم بعدَمِ دُخولِها بعْدَ أنْ يَستوجِبوا دُخولَها، وفي بَعضِهم بدُخولِ الجنَّةِ بغيرِ حِسابٍ، وفي بَعضِهم برَفْعِ الدَّرَجاتِ فيها، فظَهَرَ الاشتراكُ في مُطلَقِ السَّعادةِ بالشَّفاعةِ، وأنَّ أسعَدَهم بها المؤمنُ المُخلِصُ.وقَولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «لقَدْ ظَنَنْتُ يا أبا هُرَيرةَ ألَّا يَسْأَلُنِي عن هذا الحَديثِ أحدٌ أوَّلُ مِنكَ؛ لِما رَأَيتُ مِن حِرْصِك على الحَديثِ» تَأكيدٌ لمَكانةِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه ورَجاحةِ عَقْلِه، وأنَّ أسئلتَه هي مِن النَّوعِ المرغوبِ فيه، وتكونُ فيما يَنفَعُ السائلَ وغيرَه في أمْرِ دِينِه ودُنياهُ، وليس مِن الأسئلةِ المَنهيِّ عنها
وفي الحديثِ: الحِرصُ على العِلمِ والخيرِ؛ فإنَّ الحريصَ يَبلُغُ بحِرصِه إلى البحثِ عن الغَوامضِ، ودَقيقِ المعاني، فيكونُ ذلك سَببًا للفائدةِ، ويَترتَّبُ عليه أجرُها، وأجرُ مَن عمِلَ بها إلى يومِ القيامةِ
وفيه: تفرُّسُ العالِمِ في مُتعلِّمِه، وتَنبيهُه على ذلك؛ ليكونَ أبعَثَ على اجتهادِه
وفيه: سُكوتُ العالِمِ عن العِلمِ إذا لم يُسأَلْ حتَّى يُسأَلَ، ولا يكونُ ذلك كَتْمًا؛ لأنَّ على الطَّالبِ السُّؤالَ، اللَّهمَّ إلَّا إذا تعيَّنَ عليه، فليس له السُّكوتُ
وفيه: ثُبوتُ الشَّفاعةِ لنبيِّنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: فَضيلةُ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، وحِرصُه على العِلمِ