مسند أبي هريرة رضي الله عنه 907

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 907

 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده، ليأتين على أحدكم يوم، لأن يراني، ثم لأن يراني، أحب إليه من [ص:488] أهله وماله ومثلهم معهم»

بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأُمَّتِه عَلاماتِ اقتِرابِ السَّاعةِ؛ حتَّى يَحْتاطُوا ويُعِدُّوا لها العُدَّةَ، ويُعلِّموا مَن بعْدَهم مِن المُسلِمينَ، وهذه العَلاماتُ منها عَلاماتٌ كُبْرى، ومنها عَلاماتٌ صُغْرى، ومنها ما وقَع، وانْطبَقَ عليه ما ذَكَره النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أوْصافٍ، ومنها ما لم يقَعْ بعْدُ

وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا تَقومُ السَّاعةُ حتَّى تُقاتِلُوا قومًا نِعالُهمُ الشَّعَرُ»، أي: يَلبَسونَ في أقْدامِهم أحْذِيةً ضُفِّرَت مِنَ الشَّعرِ، وهو شَعرُ الحَيواناتِ كالصُّوفِ والوَبَرِ، أو يَصْنَعونَ مِن الشَّعرِ حِبالًا، ويَصنَعونَ منه نِعالًا، كما يَصنَعونَ منه ثِيابًا، «وحتَّى تُقاتِلُوا التُّركَ»، وهم جِنسٌ مِن البَشَرِ يَسكُنونَ في آسْيا، ومِن صِفاتِهم: أنَّ عُيونَهم ضَيِّقةٌ وصَغيرةٌ مُقارَنةً بغَيرِهم، وبَياضَ وُجوهِهِم مُشْرَبٌ بحُمْرةٍ، وأنُوفَهم صَغيرةٌ كأنَّها تَلتَصِقُ في وُجوهِهم، «كأنَّ وُجوهَهم المَجانُّ المُطْرَقةُ»، والمَجانُّ هي التُّروسُ مِن الجِلدِ الَّتي تُستخدَمُ في اتِّقاءِ ضَرَباتِ السَّيْفِ في الحَربِ، والمُطْرَقةُ: الغَليظةُ الَّتي رُكِّبَت طَبَقةً فوقَ أُخْرى، والمُرادُ: أنَّ وُجوهَهم غَليظةٌ مُستَدِيرةٌ كَثيرةُ اللَّحمِ، ولرُبَّما انطبَقَتِ الأوْصافُ على التَّتارِ والمَغولِ، وهمْ قد حارَبوا أهلَ الإسْلامِ وقضَوْا على الأخضَرِ واليابِسِ في بُلدانٍ كَثيرةٍ، وأشاعوا الرُّعبَ والخَوفَ بيْن النَّاسِ، كأنَّهم يَأْجوجُ ومأْجوجُ، وقد دَخَل كَثيرٌ منْهم بعْدَ ذلك في الإسْلامِ. ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وتَجِدُونَ مِن خَيرِ النَّاسِ أشدَّهم كَراهيةً لهذا الأمرِ حتَّى يقَعَ فيه»، أي: إنَّ خِيارَ النَّاسِ همُ الَّذين يَكرَهونَ الإمارةَ والوِلايةَ، رَغبةً عنها، وإنَّما يَكرَهُها المؤمِنُ مِن حيثُ الحَذرُ على دِينِه، فإذا وقَعَ فيها، فإنَّه يَتمَنَّى العَزْلَ، أو يكونُ المَعنى: إذا وَقَعوا في الإمارةِ وتَولَّوْها لم يَجُزْ لهم أنْ يَكْرَهوها؛ لأنَّهم إذا كان قِيامُهم بها عن كُرهٍ ضيَّعوا حُقوقَها، ولكنْ فلْيُقبِلوا عليها، ولْيَجتَهِدوا فيها، ويَسْتَعينوا باللهِ عليها، وقيلَ: الشَّأنُ هنا هو الإسْلامُ، والنَّاسُ همْ مَن كانوا أشَدَّ النَّاسِ كَراهيةً له، كما كان مِن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وخالدِ بنِ الوَليدِ، وعَمرِو بنِ العاصِ، وعِكْرِمةَ بنِ أبي جَهلٍ، وسُهيلِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهم، وغَيرِهم ممَّن كان يَكرَهُ الإسْلامَ كَراهيةً شَديدةً، فلمَّا دخَلَ فيه أخلَصَ، وأحَبَّه، وجاهَدَ فيه حقَّ جِهادِه. وأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ النَّاسَ مَعادِنُ، أي: أُصولٌ مُختلِفةٌ ما بيْن نَفيسٍ وخَسيسٍ، كما أنَّ المَعدِنَ كذلك، والمَعادنُ جمعُ مَعدِنٍ؛ وهو الشَّيءُ المُستقِرُّ في الأرضِ، وكلُّ مَعدِنٍ يَخرُجُ منه ما في أصْلِه، وكذا كُلُّ إنسانٍ يَظهَرُ منه ما في أصْلِه مِن شَرَفٍ أو خِسَّةٍ، وإذا كانتِ الأُصولُ شَريفةً كانتِ الفُروعُ كذلك غالبًا، «خيارُهم في الجاهِليَّةِ خيارُهم في الإسْلامِ»، وفي رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ: «إذا فَقِهوا»، أي: مَن كان مِن النَّاسِ صاحبَ أخْلاقٍ ومآثِرَ في الجاهِليَّةِ، ثمَّ أسلَمَ؛ فله أجرُها وشَرفُها في الإسْلامِ، إذا فَقِهَ فِي الدِّينِ وتَعلَّمَه؛ فقدِ استَفادَ المَزيَّةَ والفَضلَ بالدِّينِ، ومَن لم يُسلِمْ، فقدْ هدَمَ شرَفَه وضيَّعَ مَقامَه الَّذي كان به في الجاهِليَّةِ. ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وليَأْتِيَنَّ على أحدِكم زَمانٌ» منَ الأزمِنةِ، يَتَمنَّى فيه رُؤْيَتي وصُحْبَتي، ويكونُ ذلك أحبَّ إليه مِن أنْ يكونَ له مِثلُ أهلِه ومالِه، يَعْني: سيَأْتي زَمانٌ تكونُ فيه رُؤْيةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للرَّجلِ وهو غَريبٌ فَقيرٌ، لا أهلَ له ولا مالَ؛ أحبَّ إليه مِن فَقْدِ رُؤْيتِه معَ وُجودِ الأهلِ والمالِ

وفي الحَديثِ: فَضلُ النَّسبِ إذا اقتَرَنَ بدِينِ الإسلامِ