مسند أبي هريرة رضي الله عنه 958
مسند احمد
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل قال: إذا تلقاني عبدي بشبر، تلقيته بذراع، وإذا تلقاني بذراع، تلقيته بباع، وإذا تلقاني بباع، جئته أتيته بأسرع "
ذِكرُ اللهِ تَعالَى من أجَلِّ العِباداتِ التي يَتقرَّبُ بها المُسلِمُ إلى ربِّه، ويَشمَلُ كلَّ ما تَعبَّدَنا اللهُ عزَّ وجلَّ به ممَّا يَتعلَّقُ بتَعظيمِه والثَّناءِ عليه، مع حُضورِ القَلبِ واللِّسانِ والجَوارِحِ، وقد أمَرَ اللهُ تَعالَى عِبادَه بذِكرِه، ورتَّب على هذا الذِّكرِ جَزاءً عَظيمًا
وفي هذا الحَديثِ القُدسيِّ يَروي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن رَبِّه سُبحانَه وَتَعالَى أنَّه يَقولُ: «أنا عِندَ ظَنِّ عَبْدي بي»، يَعني: إن ظَنَّ باللهِ خَيرًا فَلَه، وإن ظَنَّ بِه سِوَى ذلك فَلَه، وحُسنُ الظَّنِّ باللهِ عزَّ وجلَّ يَكونُ بفِعلِ ما يُوجِبُ فَضلَ اللهِ وَرَجاءَه، فيَعمَلُ الصَّالِحاتِ، ويُحسِنُ الظَّنَّ بأنَّ اللهَ تَعالَى يَقبَلُه، فاللهُ سُبحانَه عِندَ مُنتهَى أمَلِ العَبدِ به، وعلى قَدرِ ظَنِّ واعتِقادِ العَبدِ فيه، ويَكونُ عَطاءُ اللهِ وجَزاؤُه من جِنسِ ما يَظُنُّه العَبدُ في اللهِ ثَوابًا أو عِقابًا، خَيرًا أو شَرًّا، فمَن ظنَّ باللهِ أمرًا عَظيمًا وَجَدَه وأعْطاه اللهُ إيَّاهُ، واللهُ لا يَتعاظَمُه شَيءٌ، أمَّا أن يُحسِنَ الظَّنَّ وهو لا يَعمَلُ، فهذا من بابِ التَّمَنِّي على اللهِ، ومَن أتبَعَ نَفسَه هَواها، وتَمَنَّى على اللهِ الأمانيَّ فهو عاجِزٌ. ويَقولُ اللهُ سُبحانَه: «وأنا مَعَه إذا ذَكَرَني»، أي: إن ذَكرَني العَبدُ بالتَّسبيحِ والتَّهليلِ أو غيرِها «في نَفْسِه»، مُنفَرِدًا عن النَّاسِ، «ذَكَرْتُه في نَفْسي، وإنْ ذَكَرَني في مَلَأٍ»، في جَماعةٍ من النَّاسِ، «ذَكَرْتُه في مَلَأٍ خَيرٍ مِنهُم»، وهُم المَلَأُ الأعلى. وأهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ يُثبِتون النَّفسَ لله تَعالَى، ونَفسُه هي ذاتُه عزَّ وجلَّ، وهي ثابِتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ؛ بدَليلِ قَولِـه تَعالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28، 30]، وقَولِـه: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]. ثم قال عزَّ وجلَّ: «وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيهِ باعًا، وإنْ أتاني يَمْشي أتَيْتُهُ هَروَلةً»، أي: أنَّ إقبالَ اللهِ على العَبدِ إذا أقبَلَ العَبدُ عَليه سُبحانَه وتَعالى يكونُ أكثَرَ من إقبالِ العَبدِ عَليه، ومُتوسِّطُ طُولِ الذَّارعِ في المَقاييسِ الحَديثةِ 52 أو 75 سنتيمتر، ومَعنى «الباع»: طُولُ ذِراعَيِ الإنسانِ وعَضُديه. والهَرولَةُ في اللُّغةِ: الإسراعُ في المشيِ دونَ العَدوِ، وصِفةُ الهَرولةِ لله عزَّ وجلَّ كَما تَليقُ بِه، ولا تُشابِه هَرولةَ المخلوقينَ. وفي هذه الجُمَلِ الثَّلاثِ بَيانُ فَضلِ اللَّه عزَّ وجلَّ، وأنَّه يُعطي أكثَرَ ممَّا فُعِلَ من أجلِهِ، فيُعطي العامِلَ أكثَرَ مِمَّا عَمِلَ
وفي الحَديثِ: التَّرغيبُ في حُسنِ الظَّنِّ باللهِ تَعالَى
وفيه: إثباتُ أنَّ لِله تَعالَى نَفسًا
وفيه: إثباتُ صِفَةِ الكَلامِ لله سُبحانَه
وفيه: فَضلُ الذِّكرِ سِرًّا وعَلانيةً
وفيه: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُجازي العَبدَ بِحَسَبِ عَمَلِه
وفيه: بَيانُ أنَّ الجَزاءَ من جِنسِ العَمَلِ