‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1022

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1022

حدثنا يزيد، أخبرنا حميد، والأنصاري، قال: حدثنا حميد المعنى، عن أنس بن مالك قال: إن كان ليعجبنا الرجل من أهل البادية يجيء فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء أعرابي فقال يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: وأقيمت الصلاة، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما قضى الصلاة قال: " أين السائل عن الساعة؟ " فقام الرجل فقال: أنا. فقال: " وما أعددت لها؟ " قال: ما أعددت لها من كثير صلاة، ولا صيام، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرء مع من أحب ". قال: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك وقال الأنصاري: من كبير عمل صلاة ولا صوم (1)

وَقْتُ قِيامِ السَّاعةِ مِنَ الغَيبيَّاتِ الَّتي استأثرَ المولى سُبحانه وتعالَى بها، ولم يُطلِعْ عليه أَحدًا؛ ولذلك فإنَّ المؤمنَ لا يَنشِغلُ بِمَوعدِ قيامِها، وإنَّما يَجِبُ أنْ تَنصرِفَ هِمَّتُه إلى زادِه إليها وما أعدَّ لها مِنَ العملِ.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا مِن أهلِ الباديةِ -وهو الذي يسكُنُ الصَّحراءَ- قيل: هو ذو الخُوَيصِرة اليَمانيُّ، وهو الذي بال في المسجِدِ؛ سَألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن وقْتِ قيامِ السَّاعةِ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ويْلَكَ! وما أعددْتَ لها؟»، والويلُ هو الدُّعاءُ بِالهلاكِ، وليس مَقصودًا هنا، وإنَّما هو تَعنيفٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه سلَّم؛ لِيَنشغِلَ بِالأصلحِ له -وهو العملُ الصَّالحُ- لا بِموعدِ قيامِ السَّاعةِ. فقال له الرَّجلُ بعْدَ أنْ سَمِعَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك: «ما أعددْتُ لها إلَّا أنِّي أُحبُّ اللهَ ورَسولَه»، ولم يذكُرْ غيرَها من العباداتِ القَلبيَّةِ والبَدَنيَّةِ والماليَّةِ؛ لأنها كُلَّها فروعٌ للمَحَبَّةِ مترتِّبةٌ عليها، ولأنَّ المحبَّةَ هي أعلَمُ منازِلِ السَّائِرين، وأعلى مقاماتِ الطَّائرين؛ فإنها باعِثةٌ لمحبَّةِ اللهِ أو نتيجةٌ لها، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّكَ مع مَن أحببْتَ»، أي: معهم في الجنَّةِ. وليس المرادُ بالمَعِيَّةِ التساوي في الدَّرَجةِ والمنَزلةِ، بل المرادُ كَونُهم في الجنَّةِ بحيث يتمكَّنُ كُلُّ واحدٍ منهم من رؤيةِ الآخَرِ وإن بَعُد المكانُ؛ لأنَّ الحجابَ إذا زال شاهَدَ بَعضُهم بعضًا، وإذا أرادوا الرُّؤيةَ والتلاقي قدَروا على ذلك. فقال الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم: «ونحْنُ كذلك»، أي: نحْنُ أيضًا نُحبُّ اللهَ ورسولَه، فهل نكونُ مع مَن أحبَبْنَا؟ فقال لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «نَعمْ»، فَفرِحوا بذلك فرحًا شديدًا. ثم أخبر أنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ غُلامَ المغيرةِ بنِ شُعْبَةَ -وهو مملوكُه دونَ سِنِّ البُلوغِ والتكليفِ، واسمُه محمَّدٌ، وقيل: سعيدٌ- مرَّ عليهم، وكان مِن أقرانِ أنسِ بنِ مالكٍ رضِي اللهُ عنه، أي: مُقارِبٌ له في عُمْرِه، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنْ أُخِّرَ هذا» أي: إنْ عاشَ ولم يَمُتْ في صِغَرِه، «فلنْ يُدرِكَه الهرمُ حتَّى تقومُ السَّاعةُ»، أي: ساعةُ الحاضرِينَ عندَه، يعني مَوتَهم؛ لأنَّ مَن ماتَ فقدْ قامَتْ قِيامَتُه، ويُحتمَلُ أنْ يكونَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرادَ المبالغةَ في بيان قُربِها، أو أنَّه عَلِمَ أنَّ هذا الغلامَ لا يَعيشُ حتَّى يَكبُرَ في العُمُرِ.

 وفي الحَديثِ: فَضلُ حُبِّ اللهِ ورَسولِه والصَّالحينَ مِن المؤمِنين.

وفيه: ضرورةُ انشِغالِ المسلِمِ بالأصلَحِ والأنفَعِ له، وتَرْكُ السؤالِ عَمَّا لا ينفَعُه. 

وفيه: مخاطبةُ النَّاسِ على قَدْرِ عُقولِهم.

وفيه: أنَّ السَّاعةَ قد تُطلَقُ ويُرادُ بها الموتُ.