مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1188
مسند احمد
حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا مسعر، عن عمرو بن عامر الأنصاري، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم، ولا يظلم أحدا أجره "
أحلَّ اللهُ سُبحانَه لعِبادِهِ الطَّيِّباتِ، وحرَّمَ عليهِمُ الخَبائِثَ مِن كُلِّ شَيءٍ؛ مِنَ المَطْعَمِ والمَشْرَبِ، والمَكْسَبِ والتِّجارةِ، وغيرِ ذلك، كما حَثَّ الشَّرْعُ المسلِمَ على أنْ يكونَ كَريمَ النَّفْسِ مُترَفِّعًا عَنِ الدَّنايا.
وفي هذا الحَديثِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «احْتَجَمَ»، أي: طلَبَ من شَخصٍ أنْ يَحجُمَهُ، والحِجامةُ هي إخْراجُ بَعضِ الدَّمِ مِنَ الجِسمِ، عن طَريقِ تَشريطِ مَوضِعِ الوجَعِ، ثمَّ امتِصاصِ هذا الدَّمِ واستِخراجِه بعْدَ تَجميعِه بواسِطةِ مِحْجَمٍ، وهو أداةٌ تُشبِهُ القُمعَ أو الكأْسَ، وهي عِلاجٌ لكَثيرٍ مِنَ الأوْجاعِ. وأعْطى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن قامَ له بالحِجامةِ أُجْرةً على ذلك، وهذا مِن سُننِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الفِعليَّةِ، ولوْ كان إعْطاءُ الحَجَّامِ أُجْرةً حرامًا لَمَا أعْطى الحَجَّامَ أُجرةً، وحمَلَ العلماءُ أحاديثَ النَّهيِ عن كَسْبِ الحجَّامِ والتَّصريحِ بأنَّه خَبيثٌ على التَّنْزِيهِ والتَّرَفُّعِ عن دَنيءِ الأكْسابِ، والحَثِّ على مَكارمِ الأخْلاقِ، ومَعالي الأُمورِ. أو يَحتمِلُ أنْ يكونَ النَّهيُ كان في بَدْءِ الإسْلامِ، ثمَّ نُسِخَ ذلك، فلَمَّا أَعْطى الحَجَّامَ أجْرَه، كان ناسخًا لِمَا تقدَّمَه.
ثمَّ ذكَرَ ابْنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما دَواءً آخرَ استَعملَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: «وَاسْتَعَطَ»، أي: استعمَلَ السَّعُوطَ، وهو دَواءٌ يُوضَعُ بالأنْفِ، وتكونُ هَيئةُ مَن يَستعمِلُهُ: أنْ يَجلِسَ مُستَلْقيًا جاعِلًا بيْنَ كَتِفَيْهِ ما يَرفَعُهما، ثمَّ يُقَطِّرَ هذا الدَّواءَ في أنفِهِ حتَّى يَصِلَ إلى دِماغِهِ، فيَخرُجَ الدَّاءُ بالعُطاسِ.
وفي الحَديثِ: استعمالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدَّواءَ، وأخْذُه بأسبابِ العِلاجِ.
وفيه: أخْذُ الحَجَّامِ أُجْرةً على الحِجامةِ.