مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1433
مسند احمد
حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، حدثنا (1) حميد، عن أنس، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا سيدنا، وابن سيدنا، ويا خيرنا، وابن خيرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس، قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، ورسول الله، (2) والله، ما أحب أن ترفعوني فوق ما رفعني الله "
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم يُحبُّونَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حبًّا جمًّا ويُعظِّمونَه، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرُّهم فَقطْ على القَدْرِ الذي يَليقُ به في تَعظيمِهم ومَدْحِهم إيَّاه؛ حتَّى لا يُوقِعَهم الشيطانُ الغُلوِّ وما فيه مُخالَفةٌ ومَعصيَّةٌ.
وفي هذا الحَديثِ "انطلَقْتُ في وفْدِ بَني عامِرٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم"، أي: قاصِدينَ ومتوجِّهينَ إليه، "فقُلنا" أي: بعدَ أنْ وصَلْنا وقابَلْنا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مادِحينَ له: "أنتَ سيِّدُنا"، فقال لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "السَّيِّدُ اللهُ تبارَكَ وتعالى"، أي: الَّذي له السِّيادةُ على الحقيقَةِ هو اللهُ عزَّ وجلَّ. قال عبد الله: "فقلنا: وأفْضَلُنا فضْلًا"، أي: أعْلانا رُتبَةً وشرَفًا ومزِيَّةً، "وأعْظَمُنا طَوْلًا"، أي: أكثرُنا عَطاءً وعلوًّا ورِفعَةً، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "قولوا بقولِكم"؛ الَّذي قُلتُموه، أو "بعْضِ قولِكم"، أي: اترُكوا بعْضًا ممَّا تَقولون؛ لعَدَمِ المُبالغَةِ في المدْحِ، "ولا يسْتجْريَنَّكمُ الشَّيطانُ"، أي: لا يَستعْمِلنَّكم الشَّيطانُ فيما يُريدُ، أو لا تُبالِغوا في المَديحِ حتَّى لا يَجرَّكم الشَّيطانُ إلى ما يُخالِفُ الحقَّ فتَقَعوا في الباطِلِ. قيل: إنَّ تَخصيصَ السِّيادةِ للهِ عزَّ وجلَّ في هذا الحَديثِ لا يُنافِي قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حديثٍ آخَرَ: "أنا سيِّدُ ولدِ آدَمَ، ولا فَخْرَ"، ولا قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم لبَني قُريظةَ: "قُوموا إلى سَيِّدِكم" يُريدُ سَعْدَ بنَ مُعاذٍ؛ وذلك أنَّهم كانوا في هذا الوقتِ حَديثِي عَهدٍ بجاهليَّة، وربَّما قَصَدوا بالسِّيادةِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعضَ المعاني المشترَكةِ في حَقِّ اللهِ تعالى؛ فرَدَّها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لله عزَّ وجلَّ.