مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1636
مسند احمد
حدثنا عبد الله بن بكر، حدثنا حميد عن أنس، قال: " بعثت أم سليم معي بمكتل فيه رطب، فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، إذا هو عند مولى له قد صنع له ثريدا - أو قال: ثريدة - بلحم وقرع، فدعاني، فأقعدني معه، فرأيته يعجبه القرع، فجعلت أدعه قبله، فلما تغدى ورجع إلى بيته، وضعت المكتل بين يديه، فجعل يأكل منه ويقسم حتى أتى على آخره "
لقدْ أحَلَّ اللهُ لنا الطَّيِّباتِ وحرَّم علينا الخبائثَ، وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُحِبُّ بعضَ الأطعِمةِ، ومِن ذلك القَرْعُ أو الدُّبَّاءُ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أَنَسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عنه: "بَعَثَتْ مَعي أمُّ سُليمٍ"، وهي أمُّه، "بمِكْتَلٍ فيه رُطَبٌ"، أي: بوِعاءٍ فيه تَمرٌ قد طاب ونَضِجَ، والمِكتَلُ: وعاءٌ يُنسَجُ مِن خُوصِ النَّخلِ، "إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلم أَجِدْه" وخرَج النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "قريبًا إلى مَولًى له دَعاه، فصَنَع له طَعامًا؛ فأتيتُه وهو يَأكُلُ"، أي: أتى أنَسٌ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وهو يَأكُلُ ذلك الطَّعامَ الَّذي أعَدَّه له خادِمُه، قال أنَسٌ: "فدَعاني لآكُلَ معَه"، أي: فعَزَم عليَّ أن آكُلَ معَه، "وصنَع ثَريدةً بلَحْمٍ وقَرْعٍ"، والثَّريدةُ: الطَّعامُ المصنوعُ مِن الخُبزِ والمرَقِ مع اللَّحمِ وغيرِه، "قال: فإذا هو يُعجِبُه القَرْعُ"، أي: يُعجِبُه أكلُ القَرْعِ وهو الدُّبَّاءُ، قالَ أنسٌ: "فجعَلْتُ أجمَعُه فأُدْنِيه مِنْه"، أي: أُقرِّبُه مِنه وأضَعُه أمامَه. وفي روايةٍ: "فجَعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يتَتبَّعُ الدُّبَّاءَ، قال: فجَعَلتُ أتَتبَّعُه، فأضَعُه بينَ يدَيه، قال: فما زِلتُ بعدُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ".
ثمَّ قال أنَسٌ رضِي اللهُ عنه: "فلَمَّا طَعِمْنا منه"، أي: فلمَّا انتَهَينا مِن أكْلِه، "رجَع إلى مَنزِلِه ووَضَعتُ المِكتَلَ بينَ يدَيه"، أي: وضَعتُ وِعاءَ التَّمرِ أمامَه، "فجَعَل يَأكُلُ ويَقْسِمُ حتَّى فرَغ مِن آخِرِه"، أي: فبَدَأ يَأكُلُ مِنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويُوزِّعُ على مَن حضَر حتَّى انتهى.
وفي الحديث: بيانُ حبِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبَعضِ الأطعمةِ.
وفيه: مشروعيةُ أكْلِ الطَّعامِ بعدَ الطَّعامِ إذا دَعتِ الحاجةُ من غيرِ إسرافٍ.
وفيه: تَعليمُ الناسِ حُسْنَ الضِّيافةِ والتودُّدَ والتبَسُّطَ مع الأضيافِ، بِتوزيعِ المأكولاتِ عليهم، وإكرامِهم بكلِّ ذلك.
وفيه: إجابةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِدعوةِ المسلمِ والأكلُ من طَعامِه.