مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه300
مسند احمد
حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، أن أم سليم بعثته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع عليه رطب، " فجعل يقبض قبضة (1) فيبعث بها إلى بعض أزواجه، ثم يقبض القبضة فيبعث بها إلى بعض أزواجه، ثم جلس فأكل بقيته أكل رجل يعلم أنه يشتهيه " (2)
للأنصارِ رَضِيَ اللهُ عنهم مَكانةٌ عَظيمةٌ؛ لكَونِهم ناصَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستَقبَلوه في ديارِهم، وآثَروا إخوانَهمُ المُهاجِرينَ في كُلِّ شَيءٍ؛ ولِهذا جَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُبَّ الأنصارِ مِنَ الإيمانِ، وبُغضَهم مِنَ النِّفاقِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّهم ويَدعو لَهم لمَواقِفِهمُ النَّبيلةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنه: إنَّ أُمَّ سُلَيمٍ، وهيَ أُمُّه، بعثَته، أي: أرسَلَته إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقِناعٍ عليه رُطَبٌ. والقِناعُ هو الطَّبَقُ الذي يُؤكَلُ عليه، أي: أنَّها أرسَلَت هذا الطَّبقَ مِنَ الرُّطَبِ هَديَّةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقبِضُ قَبضةً، أي: يَأخُذُ مِن هذا الرُّطَبِ قَبضةً بيَدِه، فيَبعَثُ، أي: يُرسِلُ بها إلى بَعضِ أزواجِه، ثُمَّ يَقبِضُ القَبضةَ، فيَبعَثُ بها إلى بَعضِ أزواجِه، ثُمَّ جَلَسَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدَ ذلك فأكَلَ بَقيَّتَه -أي: بَقيَّةَ الرُّطَبِ- أكْلَ رَجُلٍ يُعلَمُ أنَّه يَشتَهيه، أي: هَيئةَ شَخصٍ كان يَشتَهي ذلك.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ إهداءِ الرَّعيَّةِ للإمامِ.
وفيه قَبولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للهَديَّةِ.
وفيه أنَّ الهَديَّةَ لا بَأسَ أن تَكونَ طَعامًا.
وفيه مِنَ الأدَبِ أنَّ مَن أُهديَ إليه طَعامٌ أن يوزِّعَه على بَعضِ مَن حَولَه ويَأكُلَ ما بَقيَ.
وفيه حُسنُ خُلُقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ أهلِه.