كان المسلمونَ يُصَلُّونَ بغَيرِ أذانٍ منذُ فُرِضَتِ الصَّلاةُ بمكَّةَ في رِحلةِ المِعراجِ، وظَلُّوا كذلك إلى أنْ هاجَروا إلى المدينةِ حتَّى وقَع التَّشاوُرُ في ذلك، إلى أنْ شُرِعَ الأذانُ، كما في هذا الحَديثِ، حيثُ يَحكي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا كَثُر المسلِمونَ وزادتْ أعدادُهم، وكان ذلك بعْدَ الهِجرةِ إلى المدينةِ كما بيَّنَتْه الرِّواياتُ الصَّحيحةُ، ذَكُروا أنْ يَعْلَموَا وقتَ الصَّلاةِ بشَيءٍ يَعرِفونه، بأنْ يَجعَلوا له علامةً يُعرَفُ بها، فأخَذ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتشاوَرُ معهم، ويَسمَعُ آراءَهم، ويَرى ما يَستنبِطونه مِن أصولِ الشَّريعةِ، فاقترَح بعضُهم إشعالَ نارٍ كالتي يتَّخِذُها المجوسُ وهم عبَدةُ النارِ، وقال آخَرونَ بدَقِّ ناقوسٍ، وهو الجَرسُ الموجودُ بالكَنائسِ عندَ النَّصارى، وقال آخَرونَ -كما في روايةِ الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ ابنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما- بالبُوقِ، وهو الَّذي تَتَّخِذُه اليهودُ، ويُنفَخُ فيه فيُخرِجُ صَوتًا، وكان يُتَّخَذُ مِن قرونِ الحيواناتِ.فأمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِلالَ بنَ رَباحٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَشفَعَ الأَذانَ؛ فيَأتيَ بكَلِماتِه مَثْنَى مَثْنَى ثِنتَينِ مُفردتَينِ، إلَّا كلِمةَ التَّوحيدِ في آخِرِه؛ فإنَّها مُفردةٌ، وإلَّا لَفْظَ التَّكبيرِ في أوَّلِه؛ فإنَّه أرْبَعٌ.
وأن يُوتِرَ الإقامةَ، أي: يَأتيَ بألْفاظِها مُفرَدةً، أي: مرَّةً مرَّةً، سِوى التَّكبيرِ في أوَّلِها وآخِرِها، ولَفْظِ قد قامَت الصَّلاةُ؛ فيَأتي بها شَفعًا.وقد ورَد في أحاديثَ أخرى أنَّ ألْفاظَ الأذانِ رآها عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ رَضيَ اللهُ عنه في رُؤْيا، فأخبَر النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بها، فأمَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلالًا أنْ يقومَ فيُؤذِّنَ بهذه الألفاظِ التي رآها عبدُ الله بن زيدٍ رَضيَ اللهُ عنه في الرُّؤيا، وهي ألفاظُ الأذانِ الَّتي يُنادَى بها إلى اليَومِ..