مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 851
مسند احمد
حدثنا يحيى بن زكريا، أخبرنا حجاج، عن عطاء، وعن أبي الزبير، عن جابر، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع ما في رءوس النخل بتمر كيلا»
لَمَّا جاء الإسلامُ نظَّمَ المُعاملاتِ بين النَّاسِ، وخاصَّةً في الأموالِ؛ حتَّى يَنزِعَ أسبابَ الشِّقاقِ والاختلافِ، فنَهى عن الغَررِ والجَهالةِ في البُيوعِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "نَهى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن المُزابَنةِ؛ أنْ يَبيعَ ثمَرَ حائطِه"، أي: ثَمَرَ بُستانِه أو مَزرعتِه، "وإنْ كان نخْلًا بتمْرٍ كَيلًا"، أي: إنْ كانت ثمرةَ نخْلٍ، وهو الرُّطبُ على رُؤوسِ النَّخلِ، فلا يَبِيعُه بتمْرٍ يابسٍ كَيلًا، أي: بكذا وسْقًا من تمْرٍ، "وإنْ كان كرْمًا"، أي: عِنبًا، "أنْ يَبيعَه بزَبيبٍ كَيلًا"، أي: يأخُذَ زَبيبًا بكيلٍ مُحدَّدٍ مُقابلَ العنبِ غيرِ النَّاضجِ وغيرِ المعروفِ مِقدارُه، والزَّبيبُ: هو العِنبُ المُجفَّفُ، "وإنْ كان زرعًا أنْ يَبيعَه بكَيلِ طعامٍ"، أي: وكذلك لا يَبيعُ الزَّرعِ في سُنبلِه بحِنْطةٍ صافيةٍ كَيلًا؛ "نَهى عن ذلك كلِّه"، والمَقصودُ: أنَّه نهى عن بَيعِ الثَّمرِ في رُؤوسِ النَّخلِ والشَّجرِ، وعن بَيعِ الزُّروعِ جُزافًا قبْلَ أنْ تنضُجَ دونَ كَيلٍ، وأنْ يأخُذَ مُقابلَ ثمَرِه غيرِ النَّاضجِ قدْرًا معلومًا من الثِّمارِ القديمةِ المخزونةِ، ولكنْ عليه أنْ ينتظِرَ حتَّى ينضُجَ الثَّمرُ، ويجمَعَه ويَكيلَه، ويعرِفَ مِقدارَه، ثمَّ يَبيعَه كيف شاء، بما أحَلَّ اللهُ من البُيوعِ؛ حتَّى لا يقَعَ في الغَررِ والجَهالةِ، فربَّما فسَدَ أو تلِفَ، وربَّما زاد قدْرُه أو نقَصَ عمَّا تَمَّ الاتِّفاقُ عليه. وفي الصَّحيحَينِ: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم رَخَّصَ في بَيعِ العَرايا"، والعَرايا جمْع عَريَّة، وهي النَّخلةُ، هو نَوعٌ من أنواعِ البُيوعِ، ومعناه: أنْ يَبيعَ الرُّطبَ على النَّخلِ بتمر على الأرضِ، أو العِنبَ على الشَّجرِ بخَرْصِه-أي: بمِقدارِه - مِن الزَّبيبِ، على أنْ يكونَ ذلك خَمسةَ أَوسقٍ فما دُونَ ذلك، وسُمِّيَ ببيعِ العرايا؛ لأنَّ النخلةَ يَعرُوها -أي: يُعطيها- مالكُها لرَجُلٍ مُحتاجٍ إلى أكْلِ ثَمرتِها مُدَّةً معيِّنةً، وقيل: لأنَّ هذِه النخلةَ عَرِيتْ عن حُكمِ باقي البُستانِ، حيثُ تَخلَّى صاحبُها عنها من بَينِ سائرِ نخْلِه، وهذا البيعُ مُستثنًى مِن بَيعِ المزابنةِ المنهيِّ عنه
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن البُيوعِ الَّتي فيها جَهالةٌ وغَررٌ كالمزابنةِ وما شابَهها مِن البُيوعِ؛ لِمَا يُورِثُ ذلِك من الشَّحناءِ والبَغضاءِ، والحِقدِ والحسدِ