مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 139
حدثنا يحيى، عن فطر، حدثنا أبو الطفيل، قال: قلت لابن عباس: إن قومك يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت، وأنها سنة، قال: " صدقوا وكذبوا "، قلت: كيف صدقوا وكذبوا؟ قال: " قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت، وليس بسنة، قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والمشركون على جبل قعيقعان، فبلغه أنهم يتحدثون أن بهم هزلا، فأمرهم أن يرملوا ليريهم أن بهم قوة "
كان التابعون يسألون الصحابة رضي الله عنهم فيما أشكل عليهم من شرائع وعبادات، وكانوا من أحرص الناس على تعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الحديث يقول التابعي أبو الطفيل: قلت لابن عباس: «يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت»، أي: أسرع في الطواف حول الكعبة مع مقاربة الخطا، دون الجري والعدو والركض، «وأن ذلك سنة»، أي: يزعمون أن الرمل والإسراع في الطواف حول الكعبة سنة مؤكدة. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: «صدقوا وكذبوا»! قال أبو الطفيل: «ما صدقوا وما كذبوا؟»، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «صدقوا؛ قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذبوا؛ ليس بسنة»، ثم بين سبب الرمل والإسراع، وبين معنى قوله: «صدقوا وكذبوا»، فقال رضي الله عنه: «إن قريشا قالت زمن الحديبية»، وكان ذلك في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، والحديبية: بئر قريبة من مكة، وفيها كان الصلح بين المسلمين وكفار قريش، «دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف»؛ وهو دود صغير يكون في أنف الحيوان المريض، قال ابن عباس: «فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام»، يعتمر فيها، «فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان»، وهو: جبل في مكة كانت قريش مشرفة من عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «ارملوا بالبيت ثلاثا، لترى قريش قوتهم وجلدهم ليغتاظوا»، ثم قال ابن عباس: «وليس بسنة»، أي: وليس الرمل سنة مؤكدة
قال أبو الطفيل: «قلت: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة على بعيره»، وهو الجمل، «وأن ذلك سنة»، فقال ابن عباس- رضي الله عنهما: «صدقوا وكذبوا». قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟ قال: «صدقوا؛ قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعيره، وكذبوا؛ ليس بسنة»، ثم بين سبب ركوب النبي صلى الله عليه وسلم للجمل في السعي بين الصفا والمروة، فقال رضي الله عنه: «كان الناس لا يدفعون»، أي: لا يبتعدون، «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم»؛ فيبين للجميع الأحكام ويجيب عن أسئلتهم، فيسمعه الجميع وينظرون إليه ويرونه