مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 167
مسند احمد
حدثنا أبو معاوية، حدثنا محمد بن سوقة، عن أبي بكر بن حفص، عن ابن عمر، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول [ص:242] الله، إني أذنبت ذنبا كبيرا، فهل لي توبة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألك والدان؟» قال: لا، قال: «فلك خالة؟» ، قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فبرها إذا»
برُّ الوالديْنِ والأقرَبينَ مِن أفضلِ الأعمالِ الصالحةِ، لِمَا فيه مِن حُسْنِ العِشرَةِ، ورَدِّ الجَميلِ، وطاعَةِ اللهِ سُبحانَه وتَعالى، وقد حَثَّ الإسلامُ على بِرِّ الوالديْنِ، وخَصَّ به الأُمَّ بمَزيدِ عِنايَةٍ وتأكيدٍ؛ لعِظَمِ حقِّها وجليل مَنزلتِها
ولهذا الحَديثِ سببٌ يُخبِرُ به عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الله رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ رَجُلًا أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، إني أصبْتُ"، أي: فعلْتُ وارتكبْتُ "ذنبًا عظيمًا"، أي: معصيةً كبيرةً؛ ذلِك أنَّ معصيَةَ اللهِ تَعالى عظيمةٌ، وإنْ كان هذا الذَّنْبُ صغيرًا، وقيل: إنَّه ارتكَبَ كبيرةً مِن الكبائِرِ؛ فسَأَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن مَخرَجٍ وطَريقٍ يكونُ به تكفيرٌ عن ذنْبِه، فقال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فهلْ لي مِن تَوبةٍ"، أي: هل يُمكِنُ لي أنْ أتوبَ وأرجِعَ وتُقبَلَ مِني تَوْبتي بعدَ نَدَمي على فِعلِ هذه المعصيَةِ، وعَزْمي على ألَّا أعودَ إليها مرَّةً أخرى، فسَأَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ألَكَ وَالدانِ؟"، أي: هل ما زالَ أبَواكَ على قيدِ الحَياةِ؟ إشارةٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى عَظيمِ أجرِ بِرِّهِما والإحسانِ إليهما، فقال الرَّجُلُ: "لا"؛ فسَأَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مرَّةً أخرى؛ فقال: "فلَكَ خالةٌ؟"؛ وذلك لأنَّ الخالَةَ بمنزِلَةِ الأُمِّ في البِرِّ والإحسانِ إليها، فقال الرَّجُلُ: "نَعَمْ"، أي: عندي خالَةٌ، قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فبِرَّها إِذَنْ"، أي: ارْفُقْ وأَحسِنْ إليها، وتعطَّفْ عليها، وصِلْها، فإنَّ هذا البِرَّ سيكونُ طريقًا لتكفيرِ ذَنْبِكَ؛ وذلك لأنَّ صِلَةَ الأرحامِ مِن جُملَةِ الحَسَناتِ التي تُذهِبُ السَّيِّئاتِ
وفي الحديثِ: فوائِدُ البِرِّ التي تَعودُ على المُسلِمِ