مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 104
مسند احمد
حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك»
العَبدُ في سَيرِه إلى اللهِ تعالَى لا بُدَّ له مِنَ الجَمعِ بيْن الرَّجاءِ والخَوفِ؛ فالخَوفُ يَستلزِمُ الرَّجاءَ، ولوْلا ذلك لَكان قُنوطًا ويَأسًا، والرَّجاءُ يَستلزِمُ الخَوفَ، ولوْلا ذلك لَكان أمْنًا واتِّكالًا. والرَّجاءُ والخَوفُ النَّافِعانِ هما ما اقتَرَن بهما العَمَلُ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الجنَّةَ أقرَبُ إلى العبدِ إذا أطاع رَبَّه مِن شِراكِ نَعْلِه، والنَّعلُ: هي ما يَلبَسُه الإنسانُ في قدَمِه، وشِراكُ النَّعلِ: هو السَّيْرُ الذي يَدخُلُ فيه إصبَعُ الرِّجْلِ، أو الذي يكونُ على ظَهرِ القَدَمِ، ثمَّ أخبَرَ أنَّ النَّارَ قَريبةٌ أيضًا إلى العَبدِ مِن شِراكِ نَعلِه إذا عصى الله؛ فلا يَزْهَدَنَّ العبدُ في قَليلٍ مِن الخيرِ؛ فلعلَّه يكونُ سَببًا لرَحمةِ اللهِ به، ولا في قَليلٍ مِن الشَّرِّ أنْ يَجتنِبَه؛ فربَّما يكونُ فيه سَخطُ اللهِ تعالَى، ويَحسَبُه هَيِّنًا وهو عند اللهِ عَظيمٌ، وكُلُّ ذلك لأنَّ المؤمِنَ لا يَعلَمُ الحَسَنةَ التي يَرحَمُه اللهُ بها، ولا السَّيِّئةَ التي يَسخَطُ اللهُ عليه بها؛ فإنَّ مَن عَمِلَ عَمَلًا صالِحًا تكونُ الجنَّةُ قَريبةً منه، ومَن عَمِلَ سُوءًا تكونُ النَّارُ قَريبةً منه، وقدْ ضَرَب مَثَلًا بالشِّراكِ؛ لأنَّ سَبَبَ حُصولِ الثَّوابِ والعِقابِ إنَّما هو بسَعيِ العَبدِ، وتحَرِّي السَّعيِ بالأقدامِ
وفي الحَديثِ: دَليلٌ واضحٌ على أنَّ الطَّاعاتِ مُوصِلةٌ إلى الجنَّة، والمعاصي مُقرِّبة مِن النَّارِ
وفيه: أنَّ تَحصيلَ الجنَّةِ سَهْلٌ بتَصحيحِ القَصدِ وفِعلِ الطَّاعةِ، والنَّارُ كذلك بمُوافَقةِ الهَوى وفِعلِ المعصيةِ