مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 84

مسند احمد

مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 84

 حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، قال: حدثني عون، عن عبد الله بن مسعود، قال: «إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم أهياه، وأهداه، وأتقاه»

في هذا الأثَرِ يقولُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه: "إذا حدَّثْتُكم عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حديثًا فظُنُّوا به"، أي: استَيْقِنُوا به؛ لأنَّ الظَّنَّ كما يَجِيءُ بمعنى الشكِّ والرُّجحانِ والعِلمِ بغيرِ يَقينٍ، يَجِيءُ أيضًا بمعنى العِلْمِ واليَقينِ أيضًا، وهو المرادُ هنا، "الَّذي هو أَهْنَاهُ"، أي: أطْيَبُ وأقْرَبُ إلى الاتِّباعِ، "وأهْداهُ"، أي: إلى الصَّوابِ، "وأتْقاهُ"، أي: في العمَلِ، والمُرادُ: أنَّه إذا كان الخبَرُ المُسنَدُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المنسوبُ إليه يَحتَمِلُ أمرينِ، فاحْمِلوه على أحسنِ المحامِلِ وهو الأمْرُ الَّذي هو أهْدى وأتْقَى، ولا شكَّ أنَّ مثْلَ هذا هو المُتَعَيَّنُ؛ فلا خيرَ إلَّا والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد دلَّ الأُمَّةَ عليه، ولا شَرَّ إلَّا قدْ حذَّرها منه؛ فالواجبُ على مَن بلَغَه حديثٌ له تأويلاتٌ أو معانٍ كثيرةٌ ألَّا يَصرِفَ تأويلَه أو معناه إلَّا إلى معنى يُوافِقُ الكتابَ أو سُنَّةً أُخرى أو الإجماعَ، وكذلك يُحمَلُ أيضًا هذا الحديثُ على بقيَّةِ النُّصوصِ الشرعيَّةِ ويُجمَعُ بينها؛ للوصولِ إلى المرادِ منها والتوفيقِ بينهما؛ فإنَّ من أسبابِ الوقوعِ في الفِتنِ: عدَمَ التوفيقِ بين النصوصِ، وهذا كان مِن أسباب هلاكِ الأممِ السابقةِ، وأسبابِ هلاكِ اللاحقين مِمَّن عمِلَ مِثلَهم، كما قال اللهُ تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]؛ فينْبَغي لِمَن نظَرَ في نُصوصِ القُرآنِ والسُّنَّةِ: أنْ يُحْسِنَ نظَرَه فيهما، وأنْ يظُنَّ فيهما ما يوافِقُ الحقَّ، وإنْ توهَّمَ التَّعارُضَ فلْيَرجِعْ إلى عالِمِه، ولا يضرِبِ النُّصوصَ بعضَها ببعضٍ