مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 167
حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون
عن عمر، قال: كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى يقولوا: أشرق ثبير كيما نغير، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم، فكان يدفع من جمع مقدار صلاة المسفرين بصلاة الغداة، قبل طلوع الشمس (1)
كان لأهْلِ الجاهليَّةِ مَناسِكُ في عبادَتِهم، خالَفَهم فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ومن ذلك بعض مناسك الحج، كما يقولُ عمرُو بنُ مَيمونٍ وفي هذا الحديثِ:
"حجَجْنا معَ عمَرَ بنِ الخطَّابِ، فلمَّا أرَدْنا أن نُفيضَ"، أي: ندْفَعَ ونَخرُجَ،
"مِن المزدلِفَةِ"؛ وذلك بعد قَضاءِ ليلَةِ العاشِرِ مِن ذي الحجَّةِ فيها إلى مِنًى،
والمزدلِفةُ هي المكانُ الَّذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بعدَ الإفاضَةِ مِن عرفاتٍ ويَبيتون فيه ليلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المشعَرُ الحَرامُ، وهو بجِوارِ مِنًى،
قال عمَرُ رَضي اللهُ عنه:
"إنَّ المشرِكين كانوا يَقولون: أشْرِقْ ثَبيرُ"، أي: ادخُلْ أيُّها الجبَلُ في الشُّروقِ، وثَبيرُ المَقصودُ هو جبَلُ المزدلِفَةِ على يَسارِ الذَّاهِبِ إلى مِنًى،
وقيل: هو أعظَمُ جِبالِ مكَّةَ، "كَيْما نُغيرُ"، أي: لِكي ندفَعَ ونُفيضَ للنَّحْرِ وغيرِه، وقيل: معناه نُغيرُ على لُحومِ الأضاحيِّ، وقيل: ندخُلُ في الغَورِ وهو المنخفِضُ مِن الأرْضِ،
"وكانوا لا يُفيضون حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ؛ فخالَفَهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فأفاض قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ"، أي: فعَل ذلك بدافِعِ المخالفَةِ لهم، وهو أنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لم يَنتظِرْ طُلوعَ الشَّمسِ، فدفَع مِن المزدلِفةِ قبلَ طُلوعِها.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ السُّنَّةَ في الدُّفْعِ مِن مِنًى تكونُ بعدَ الفجرِ وقبلَ الإشراقِ.
وفيه: بيانُ مُخالفةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للمُشركينَ في أفعالِ الحجِّ؛ إظهارًا لتفرُّدِ الإسلامِ وعدمِ اتَّباعِه لأمرِ الجَاهليةِ.