أبواب مواقيت الصلاة 2

سنن ابن ماجه

أبواب مواقيت الصلاة 2

حدثنا محمد بن رمح المصري، أخبرنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب
أنه كان قاعدا على مياثر عمر بن عبد العزيز، في إمارته على المدينة ومعه عروة بن الزبير، فأخر عمر العصر شيئا، فقال له عروة: أما إن جبريل نزل فصلى أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له عمر: اعلم ما تقول يا عروة! قال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نزل جبريل فأمني، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه". يحسب بأصابعه خمس صلوات (1).

الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، وقد حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على المبادرَةِ إلى الصَّلاةِ في أوَّلِ الوَقتِ، وبيَّن أنَّ هذا مِن أفضلِ الأعمالِ.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ ابنُ شِهابٍ الزُّهريُّ: "أنَّ عُمَرَ بنَ عَبدِ العزيزِ كان قاعِدًا على المنبرِ، فأخَّر العَصرَ شيئًا"، أي: أخَّر صلاةَ العصرِ بعضَ الوقتِ الَّذي يَدخُلُ في محلِّ الإنكارِ برِفقٍ، فقال له عُروةُ بنُ الزُّبيرِ: "أمَا إنَّ جِبريلَ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قد أخبَر مُحمَّدًا صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بوَقتِ الصَّلاةِ"، أي: أعلَمَه بمَواقيتِها، فقال له عُمَرُ: "اعْلَمْ ما تقولُ"، أي: يُنبِّهُ عُمرُ عُروةَ أنْ يَحذَرَ ما يُخبِرُ به وما يقولُه مِن غيرِ سنَدٍ، أو أنَّه ينبِّهُه ويُحفِّزُه ليأتِيَ بالخبَرِ على الوَجهِ الأكملِ له سنَدًا ومَتنًا، وقيل: بل هو استِعظامٌ مِن عمَرَ لإمامَةِ جبريلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم. فقال عُروةُ: سمِعتُ بَشيرَ بنَ أبي مَسعودٍ يقولُ: سمعتُ أبا مَسعودٍ الأنصاريَّ يقولُ: سَمعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: "نزَل جِبريلُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فأخبَرَني بوقتِ الصَّلاةِ"، أي: أَعلَمَني بمواقيتِها، "فصلَّيتُ معه، ثمَّ صلَّيتُ معه، ثمَّ صلَّيتُ معه، ثمَّ صلَّيتُ معه، ثمَّ صلَّيتُ معه- يَحسُبُ بأصابِعِه خمسَ صَلواتٍ-"، أي: أَمَّ جِبريلُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الصَّلواتِ الخَمسِ؛ الفَجرِ والظُّهرِ والعَصرِ والمغربِ والعِشاءِ، وقيل: إنَّ الَّذي يَحسُبُ بأصابعِه هو النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال أبو مَسعودٍ الأنصاريُّ رضِيَ اللهُ عَنه مُفسِّرًا لميقاتِ كلِّ صلاةٍ: "فرأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم صلَّى الظُّهرَ حينَ تَزولُ الشَّمسُ"، أي: حينَ تدخُلُ في الزَّوالِ ويَأتي الظِّلُّ مِن جِهةِ الغَربِ إلى جِهةِ الشَّرقِ، "وربَّما أخَّرها حين يشتَدُّ الحَرُّ"، أي: وربَّما يُؤخِّرُها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فكان يُصلِّيها بعد أنْ يقَع ظِلُّ الجِدارِ في الطَّريقِ كَيلَا يَتأذَّى النَّاسُ بالشَّمسِ، ومِن ذلك قولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إذا اشتَدَّ الحَرُّ فأبرِدوا عن الصَّلاةِ". قال أبو مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عَنه: "ورأيتُه يُصلِّي العَصرَ والشَّمسُ مُرتفعةٌ بَيضاءُ قبلَ أنْ تدخُلَها الصُّفرةُ"، أي: نَقيَّةٌ وقَبلَ أنْ يَشوبَها الغروبُ بالصَّفارِ، "فيَنصرِفُ الرَّجلُ مِن الصَّلاةِ"، أي: يَنتَهي مِن صلاةِ العَصرِ، "فيأتي ذا الحُليفَةِ"، أي: ماشيًا، وذو الحُليفةِ: قريةٌ بينها وبين المدينةِ سِتَّةُ أميالٍ أو سبعَةٌ، أي: حوالي (10 كم)، وهي مِيقاتُ أهلِ المدينةِ، "قبلَ غُروبِ الشَّمسِ"، أي: قبلَ أنْ يدخُلَ وقتُ المغرِبِ، وهذا تَقديرٌ بالسَّيرِ؛ لتَحديدِ وَقتِ العَصرِ، "ويُصلِّي المغربَ حين تَسقطُ الشَّمسُ"، أي: تَغربُ ولا تَظهرُ للبصَرِ، "ويُصلِّي العِشاءَ حين يسوَدُّ الأُفقُ"، أي: بالظَّلامِ حين تذهَبُ حُمرةُ الشَّفَقِ الَّذي كان مِن آثارِ النَّهارِ، "وربَّما أخَّرها حتَّى يجتمِعَ النَّاسُ"، أي: أخَّرَ صَلاةَ العِشاءِ في أوَّلِ وَقتِها حتَّى يَجتمِعَ لها النَّاسُ، قيل: كان مِن هَدْيِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في العِشاءِ أنَّه إذا رأَى أصحابَه رضِيَ اللهُ عَنهم حضَروا إلى الصَّلاةِ في أوَّلِ وَقتِها عجَّلَ حتَّى لا يَشُقَّ عليهم، وإذا رآهم أخَّروا أو لم يكتَمِلْ حضورُهم فإنَّه يُؤخِّرُ، "وصلَّى الصُّبحَ مرَّةً بغَلَسٍ"، والغَلَسُ: ظُلمةُ آخِرِ اللَّيلِ، بدايةَ طُلوعِ الفَجرِ، "ثمَّ صلَّى مرَّةً أُخرى فأَسفَر بها"، أي: حين وَضَح وظَهَر ضَوءُ النَّهارِ، "ثمَّ كانت صَلاتُه بعد ذلك التَّغليسَ حتَّى ماتَ"، أي: ثمَّ كانتْ عادَتُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في صَلاةِ الفَجرِ أنْ يُصلِّيَها في وقتِ الغَلَسِ، "ولَم يعُدْ إلى أنْ يُسفِرَ"، أي: ولَم يُصلِّها بعد ذلك في وَقتِ الإسفارِ، وإنَّما فعَلَه مرَّةً لِبيانِ جوازِ الصَّلاةِ في هذا الوَقتِ. وفي الحديثِ: الأَخْذُ على يَدِ وَليِّ الأمرِ بالنُّصحِ والأَمرِ بالمَعروفِ .