إذا استشار رجل رجلا في المرأة، هل يخبره بما يعلم 2
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد، قال: حدثنا سفيان، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا»
أسَّسَ الإسْلامُ نِظامَ الزَّواجِ الشَّرعيِّ لِحِفْظِ النَّسْلِ والأعْراضِ، وحرَصَ على دَوامِ الوُدِّ والمحبَّةِ بينَ الزَّوجينِ، وشَرَع لِذَلك أسْبابًا مِن بادئِ الأمْرِ في الخُطوبةِ؛ حتَّى يَكونَ أدْعى لِدَوامِ العِشْرةِ بيْنَهما
وفي هَذا الحَديثِ يُخبرُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان حاضرًا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فجاءَ إليه رجُلٌ يُخبِرُه أنَّه خطَبَ امْرأةً منَ الأنْصارِ -وهُم أهْلُ المدينةِ- ويُريدُ أنْ يَتزوَّجَها، فسَألَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: هَل نَظرْتَ إليها؟ وهذا إرْشادٌ ليَراها الرَّجلُ قبلَ أنْ يَخطُبَها؛ وذلك ليَكونَ داعيًا لنِكاحِها، أو دافعًا لتَركِها، فأجابَ الرَّجلُ بأنَّه لم ينظُرْ إليها، فأمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يذهَبَ وينظُرَ إليها، وعندَ أبي داودَ من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: «إذا خطَبَ أحدُكمُ المرأةَ، فإنِ استَطاعَ أنْ ينظُرَ منها إلى ما يَدْعوه إلى نِكاحِها فلْيَفعَلْ»، وهذا توضيحٌ أنَّ نظَرَ الرَّجلِ يكونُ إذا اسْتَطاعَ ذلك بنفْسِه ليَرى ما يَدْعوه إلى حُبِّها والتزَوُّجِ بها
ثمَّ بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَببَ أمْرِه وإرْشادِه بالنَّظرِ إليها، فقال: «فإِنَّ في أعيُنِ الأنْصارِ شيئًا»، يَعني: بَعضَ ما لا يُستحَبُّ مِن زُرْقةٍ أو صِغَرٍ أو نحوِ ذلكَ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ النَّظرَ يكونُ في العادةِ إلى الوَجهِ والكفَّينِ؛ وذلك لأنَّ الوَجهَ يُعرَفُ مِنه جَمالُها، واليَدَينِ يُعرَفُ مِنهُما خُصوبةُ بدَنِها، وهذا النَّظرُ يكونُ قَبلَ الخِطبةِ؛ حتَّى لا يشُقَّ عليها ترْكُ الخِطبةِ إذا لم تُعجِبْه
وفي أمْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَصلحةٌ كُبْرى؛ فقدْ يَكونُ في المرأةِ شَيءٌ يُؤثِّرُ في دَوامِ العِشْرةِ بعدَ الزَّواجِ، فبِالنَّظرِ إليها يتَبيَّنُ له ويَعرِفُه، فيُفارِقُها قبلَ الدُّخولِ، فيَكونُ الأمرُ أخَفَّ وأسهَلَ وأهوَنَ مِنَ الدُّخولِ بها والطَّلاقِ بعدَ ذلك
وفي الحَديثِ: نظَرُ الخاطِبِ إلى مخطوبَتِه قبلَ أنْ يَتزوَّجَها
وفيه: بَيانُ فَضلِ الشَّريعةِ السَّمحةِ، وإحْكامُ تَوْجيهاتِها، حيثُ تُراعي مَصالحَ العِبادِ الَّتي ينتَظِمُ بها مَعاشُهم ومعَادُهم، من غيرِ حُصولِ نَدمٍ وتحسُّرٍ على الفائتِ