إياك نعبد وإياك نستعين
بطاقات دعوية
كل إنسان فهو همام حارث حساس متحرك بالإرادة ،
له علم وعمل بإرادته.
والإرادة هي المشيئة والاختيار،
ولا بد في العمل الإرادي الاختياري من مراد،
ولا يحصل المراد إلا بأسباب ووسائل تحصله ،
فإن حصل بفعل العبد فلا بد من قدرة وقوة ؛
وإن كان من خارج فلا بد من فاعل غيره ؛
وإن كان منه ومن الخارج فلا بد من الأسباب كالآلات ونحو ذلك،
فلا بد لكل حي من إرادة ،
ولا بد لكل مريد من عون يحصل به مراده . فصار العبد مجبولا على :
أ- أن يقصد شيئا ويريده ؛
ب- ويستعين بشيء ويعتمد عليه في تحصيل مراده،
هذا أمر حتم لازم ضروري في حق كل إنسان يجده في نفسه.
لكن المراد على قسمين :
- منه ما يراد لغيره ،
وهو بحيث يكون المراد هو ذلك الغير ، فهذا مراد بالعرض .
- ومنه ما يراد لنفسه .
فيكون المراد هو الغاية المطلوب ، وهو الذي يذل له الطالب ويحبه ، وهو الإله المقصود،
والمستعان :
- منه ما هو المستعان لنفسه ،
وهو الذي يكون هو الغاية التي يعتمد عليه العبد ؛ ويتوكل عليه ؛ ويعتضد به ؛ ليس عنده فوقه غاية في الاستعانة،
- ومنه ما هو تبع للمستعان وآلة له،
بمنزلة الأعضاء مع القلب ؛ والمال مع المالك ؛ والآلات مع الصانع.
فإذا تدبر الإنسان حال نفسه وحال جميع الناس ؛ وجدهم لا ينفكون عن هذين الأمرين :
لا بد للنفس من شيء تطمئن إليه وتنتهي إليه محبتها ؛ وهو إلهها .
ولا بد لها من شيء تثق به وتعتمد عليه في نيل مطلوبها هو مستعانها؛
سواء كان ذلك هو الله أو غيره.
وقد يكون عاما وهو الكفر، كمن عبد غير الله مطلقا ، وسأل غير الله مطلقا ، مثل عباد الشمس والقمر وغير ذلك الذين يطلبون منهم الحاجات، ويفزعون إليهم في النوائب .
وقد يكون خاصا في المسلمين ، مثل من غلب عليه حب المال ، أو حب شخص ، أو حب الرياسة ، حتى صار عبد ذلك ، كما قال صلى الله عليه وسلم { تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة : إن أعطي رضي ، وإن منع سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش }،
وكذلك من غلب عليه الثقة بجاهه وماله ، بحيث يكون عنده مخدومه من الرؤساء ونحوهم ، أو خادمه من الأعوان والأجناد ونحوهم ، أو أصدقائه أو أمواله هي التي تجلب المنفعة الفلانية وتدفع المضرة الفلانية ، فهو معتمد عليها ومستعين بها والمستعان هو مدعو ومسئول.
وما أكثر ما تستلزم العبادة الاستعانة ،
فمن اعتمد عليه القلب في رزقه ونصره ونفعه وضره ؛ خضع له وذل ؛ وانقاد وأحبه من هذه الجهة وإن لم يحبه لذاته لكن قد يغلب عليه الحال حتى يحبه لذاته، وينسى مقصوده منه ؛ كما يصيب كثيرا ممن يحب المال أو يحب من يحصل له به العز والسلطان .
وأما من أحبه القلب وأراده وقصده ؛ فقد لا يستعينه ويعتمد عليه إلا إذا استشعر قدرته على تحصيل مطلوبه ؛ كاستشعار المحب قدرة المحبوب على وصله فإذا استشعر قدرته على تحصيل مطلوبه استعانه ؛ وإلا فلا ؛
فالأقسام ثلاثة فقد يكون
محبوبا غير مستعان ،
وقد يكون مستعانا غير محبوب ؛
وقد يجتمع فيه الأمران .
فإذا علم أن العبد لا بد له في كل وقت وحال من منتهى يطلبه هو إلهه، ومنتهى يطلب منه هو مستعانه ؛ - وذلك هو صمده الذي يصمد إليه في استعانته وعبادته –
تبين أن قوله : { إياك نعبد وإياك نستعين } كلام جامع محيط أولا وآخرا ، لا يخرج عنه شيء ، فصارت الأقسام أربعة .
- إما أن يعبد غير الله ويستعينه - وإن كان مسلما - فالشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل .
- وإما أن يعبده ويستعين غيره ، مثل كثير من أهل الدين ، يقصدون طاعة الله ورسوله وعبادته وحده لا شريك له ؛ وتخضع قلوبهم لمن يستشعرون نصرهم ؛ ورزقهم ، وهدايتهم ، من جهته : من الملوك والأغنياء والمشايخ .
- وإما أن يستعينه - وإن عبد غيره - مثل كثير من ذوي الأحوال ؛ وذوي القدرة وذوي السلطان الباطن أو الظاهر ، وأهل الكشف والتأثير ؛ الذين يستعينونه ويعتمدون عليه ويسألونه ويلجئون إليه ؛ لكن مقصودهم غير ما أمر الله به ورسوله ؛ وغير اتباع دينه وشريعته التي بعث الله بها رسوله .
- والقسم الرابع : الذين لا يعبدون إلا إياه ؛ ولا يستعينون إلا به.
----------------------------------------------------------------------------------------------------
جعلت كله ما هو عبادة بلون
وجعلت كل ما هو استعانة بلون
ليسهل على القاريء فهم المقال وبالله التوفيق،،،