اعتزال الحيض مصلى الناس

سنن النسائي

اعتزال الحيض مصلى الناس

 أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن أيوب، عن محمد، قال: لقيت أم عطية، فقلت لها: هل سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت إذا ذكرته قالت: بابا، قال: «أخرجوا العواتق، وذوات الخدور فيشهدن العيد، ودعوة المسلمين، وليعتزل الحيض مصلى الناس»

كَرَّمَ الإسلامُ المَرأةَ، وجَعَلَها شَريكًا طَبيعيًّا لِلرَّجُلِ في الحياةِ، وبَيَّنَ ما لها مِنَ الحُقوقِ، وما عليها مِنَ الواجِباتِ، وبَيَّنَ الأحكامَ الخاصَّةَ بها فيما يَتعَلَّقُ بما يَنتابُها مِنَ الأُمورِ الخاصَّةِ، مِثلَ الحَيضِ والنِّفاسِ والخَلوةِ، وحُضورِ الجَماعاتِ، وغَيرِ ذلك

وفي هذا الحَديثِ تَحكي حَفصةُ بِنتُ سِيرينَ أنَّهم كانوا يَمنَعونَ العَواتِقَ مِنَ الخُروجِ في العيدَيْنِ، والعاتِقُ هي الأُنثى أوَّلَ ما تَبلُغُ، والتي لم تتزَوَّجْ بَعدُ، وهي التي لم تُفارِقْ بَيتَ أهلِها إلى زَوجِها؛ لأنَّها عُتِقتْ عن آبائِها في الخِدمةِ والخُروجِ إلى الحوائِجِ، مِنَ الخُروجِ في العيدَيْنِ، أو هي الكَريمةُ على أهلِها، فقَدِمتِ امرأةٌ فنَزَلَتْ قَصرَ بَني خَلَفٍ، جَدِّ طَلحَةَ الطَّلحاتِ، وكان بالبَصرةِ، فحَدَّثَتْ أنَّ أُختَها، وهي أُمُّ عَطيَّةَ، فيما قيلَ، أو غَيرُها، كانت تَحتَ رَجُلٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قد غَزا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اثنَتَيْ عَشْرةَ غَزوةً، وكانت مع زَوجِها، أو مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سِتِّ غَزَواتٍ، قالَتْ: كُنَّا نُداوي الجَرْحى ونَقومُ على خِدمةِ المَرضى. فسألَتْ أُختي رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: هل على إحدانا بأْسٌ، أي: مِن إثْمٍ أو ذَنبٍ، إنْ لم يكُنْ لها جِلبابٌ أنْ لا تَخرُجَ، أيْ: إلى مُصلَّى العيدِ؟ فأجابها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّها يُمكِنُ أنْ تُلبِسَها صاحبَتُها مِن جِلبابِها، أيْ: فتُعيرَها جِلبابًا لا تَحتاجُ إليه، ولْتَشهَدْ مَجالِسَ الخَيرِ ودَعوةَ المُؤمِنينَ في جَماعةِ العيدِ
وتَحكي حَفصةُ أنَّ أُمَّ عَطيَّةَ، نُسَيْبَةَ، رَضيَ اللهُ عنها لَمَّا قَدِمَتِ البَصرةَ سألوها عمَّا سَمِعوا، فأجابَتهم: نَعَمْ، سَمِعتُه مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأبي، أيْ: وهو مُفَدًّى بأبي، فكان يقولُ: لِتَخرُجِ العواتِقُ، جَمعُ عاتِقٍ، وهي مَن بَلَغتِ الحُلُمَ، أو قارَبتْ، أو استَحقَّتِ التَّزويجَ، أو هي الكَريمةُ على أهلِها، أوِ التي عُتِقتْ عن الامتِهانِ في الخُروجِ لِلخِدمةِ، وكأنَّهم كانوا يَمنَعونَ العَواتِقَ مِنَ الخُروجِ؛ لِمَا حَدَثَ بَعدَ العَصرِ الأوَّلِ مِنَ الفَسادِ، ولم يُلاحِظِ الصَّحابةُ ذلك، بل رأوُا استِمرارَ الحُكمِ على ما كان عليه في زَمَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يأمُرُ أيضًا بإخراجِ ذَواتِ الخُدورِ: جَمعُ خِدْرٍ -وهو سِتْرٌ يكونُ في ناحيةِ البَيتِ، تَقعُدُ البِكرُ وَراءَه- أوِ العَواتِقِ وذَواتِ الخُدورِ والحُيَّضِ في حالةِ الحَيضِ، فيَشهَدْنَ الخَيرَ ودَعوةَ المُسلِمينَ، ولكِنْ تَعتَزِلُ الحُيَّضُ المُصلَّى وُجوبًا. فتَعجَبَّتْ أُمُّ عَطِيَّةَ، وسألَتْه: آلحائِضُ؟ فأجابَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَلَيسَ تَشهَدُ الحائِضُ يَومَ عَرَفَةَ، أي: يَومَها، وتَشهَدُ كذا، وتَشهَدُ كذا نَحوَ المُزْدَلِفةِ ومِنًى، ورَميِ الجِمارِ
وفي الحَديثِ: شُهودُ الحائِضِ المَناسِكَ كُلَّها، غَيرَ الطَّوافِ بالبَيتِ
وفيه: أنَّ المرأةَ في الجِهادِ تُداوي الجَرحى وتَقوم على المَرضى
وفيه: تَصويبُ الصَّحابةِ لِمَا كانوا يَرَوْنَه مِن أخطاءِ بَعضِ التَّابِعينَ