الإذن في الانتباذ التي خصها بعض الروايات التي أتينا على ذكرها الإذن فيما كان في الأسقية منها 3

سنن النسائي

الإذن في الانتباذ التي خصها بعض الروايات التي أتينا على ذكرها الإذن فيما كان في الأسقية منها 3

 أخبرني أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحق يعني الأزرق، قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي الزبير، عن جابر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له في سقاء، فإذا لم يكن له سقاء ننبذ له في تور برام» قال: «ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء، والنقير، والمزفت»

كان العربُ قديمًا يتَّخذون أوانيَ ربَّما يكونُ لها أثرٌ في الطَّعامِ والشَّرابِ، فلمَّا جاء الإسلامُ رشَّد استخدامَها
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وَفْدَ عبدِ القَيسِ حين قَدِموا عليه عن الدُّبَّاءِ وعن النَّقيرِ وعن المزفَّتِ والمَزادَةِ المَجبوبَةِ"، أي: عن استِخدامِ بعضِ الأواني؛ وذلك لتأثِيرِها في الطَّعامِ والشَّرابِ بتَخميرِه إذا طال المُكثُ فيها، والدُّبَّاءُ: آنيَةٌ تُصنَعُ مِن نَباتِ القَرعِ بعد تَجفيفِه، وتفريغِه وتَجويفِه ليُصبح كالإناءِ، والنَّقيرُ: هو ما يُنقَرُ ويجوَّفُ مِن جُذوعِ النَّخلِ، والمزفَّتُ: هو ما يُطلَى بالزِّفتِ، والمَزادةُ المجبوبَةُ: السِّقاءُ الكبيرُ الَّذي يُصنَعُ مِن جِلدٍ، والمرادُ بالمَجبوبَةِ: الَّتي قُطِع رأسُها فليس لها فَمٌ تُغلَقُ منه، وقيل: هي الَّتي ليس لها عَزْلاءُ مِن أسفَلِها يَتنفَّسُ الشُّرَّابُ منها، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "انتَبِذْ في سِقائِك"، والانتباذُ: نَقعُ التَّمرِ أو الزَّبيبِ في الماءِ بقَصدِ تَحليَتِه، والسِّقاءُ: إناءُ الشُّربِ، "أَوْكِهِ"، أي: أَغلِقْ فَمَ القِربةِ وشُدَّها بالحَبلِ بعد الانتباذِ فيها، "واشرَبْه حُلوًا"، أي: قَبل أنْ يتخمَّرَ ويُصبِحَ مسكِرًا
"قال بعضُهم"، أي: مِن وَفدِ عبدِ القيسِ: "ائذَنْ لي يا رسولَ اللهِ في مِثلِ هذا"، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إذًا تَجعلُها مثلَ هذه- وأشار بيَدِه يصِفُ ذلك-"، قيل: الظَّاهرُ أنَّ الإشارةَ إلى أمرٍ متعلِّقٍ بالمجلِسِ، ولا يُدرى ماذا، والأقرَبُ أنَّه طلَب الرُّخصةَ في بعضِ الأقسامِ الممنوعَةِ، فبيَّن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم له بالإشارةِ أنَّه إذا رخَّصتُ لكَ في بعضِ هذه الأقسامِ، فلعلَّك تشرَبُه، وقد فارَ، فتقَعُ في المسكِرِ الحرامِ
وقد ثبَتَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ما يَنسخُ هذا النَّهيَ؛ ففي صَحيحِ مُسلمٍ عن بُريدَةَ الأسلمِيِّ رَضِي اللهُ عَنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "نهيتُكم عن النَّبيذِ إلَّا في سِقاءٍ، فاشرَبوا في الأسقيَةِ كلِّها، ولا تَشربوا مُسكِرًا"؛ فبيَّن أنَّ العلَّةَ ليست إلَّا الإسكارَ؛ وهو محرَّمٌ