الاستعاذة من الضلال
سنن النسائي
أخبرني محمد بن قدامة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الشعبي، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال: «بسم الله، رب أعوذ بك من أن أزل أو أضل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي»
الدُّعاءُ الصَّادِقُ مِنَ القلبِ الخاشِعِ يُمَثِّلُ درجةً عاليةً مِن حُسْنِ التَّوكُّلِ على اللهِ تعالى، والالْتِجاءِ إليه، والإقرارِ بقُدْرتِهِ، وأنَّه هو النَّافِعُ والضَّارُّ، وقد كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دائمَ الدُّعاءِ للهِ في كُلِّ أحوالِهِ، ومِن هذه الأحوالِ عِندَ الخروجِ مِنَ البيتِ
وفي هذا الحديثِ تقولُ أُمُّ سَلَمةَ رَضِي اللهُ عنها زوجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ما خَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بَيْتي قَطُّ إلَّا رَفَعَ طَرْفَه" ببَصَرِه وعينَيْه "إلى السَّماءِ"، والمعنى: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان بصورةٍ دائمةٍ إذا خرَجَ مِنَ البيتِ دعا اللهَ وقال: "اللهُمَّ أَعُوذُ بكَ"، فأَلْجَأُ إليكَ وأَسْتجيرُ بكَ مِن: "أنْ أَضِلَّ أو أُضَلَّ"؛ بأنْ أَقَعَ في الضَّلالِ بنَفْسي، أو أنْ أُضِلَّ غَيْري، "أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ"، والزَّلَلُ هو الوقوعُ في المعصيةِ، والمعنى: أَجِرْني واحْمِني مِن أنْ أقَعَ في الذَّنبِ أو المعصيةِ بقَصْدٍ أو بِغيرِ قَصْدٍ مِنِّي، "أو أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ"، أي: أَعوذُ بِكَ أنْ أَظْلِمَ أحدًا مِن خَلْقِك في أيِّ أَمْرٍ مِن الأمورِ، أو أنْ يَظْلِمَني أحدٌ؛ وهذا لسُوءِ عاقِبةِ الظُّلْمِ، "أو أَجْهَلَ أو يُجْهَلَ عَليَّ"، أي: أَعوذُ بِكَ مِن أنْ أَفْعَلَ فِعْلَ الجاهِلينَ مِن سُوءِ الخُلُقِ وإيذاءِ النَّاسِ، أو أنْ يَفْعَلَ أحدٌ بي هذا الفِعْلَ، ويحتملُ أنْ يكونَ المعنى: أَعوذُ بِكَ أنْ أجْهَلَ شيئًا مِن الأمورِ ولا أعْلَمَها، أو لا يُعلِّمَني إيَّاها أحدٌ
هذا، وبعضُ هذه الأدعيةِ في حَقِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بابِ التَّعليمِ لأُمَّتِه؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معصومٌ ممَّا يَستعيذُ منه فيها
وفي الحديثِ: الحَثُّ على الدُّعاءِ والْتِزامِه على كُلِّ حالٍ، والحثُّ على التوجُّهِ إلى اللهِ تعالى