الاستعاذة من سوء القضاء
سنن النسائي
أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا سفيان، عن سمي، عن أبي صالح، إن شاء الله، عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم " يتعوذ من هذه الثلاثة: من درك الشقاء، وشماتة الأعداء، وسوء القضاء، وجهد البلاء " قال سفيان: هو ثلاثة فذكرت أربعة، لأني لا أحفظ الواحد الذي ليس فيه
كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتعَوَّذُ باللهِ مِن كلِّ مُصابٍ في دِينِه ودُنياه، ويَحُثُّ أصحابَه على ذلك، ومن ذلك ما يرويه أبو هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَتعوَّذ ويَلتَجِئُ ويَحتمِي باللهِ تعالَى مِن أُمورٍ؛ منها: «جَهْدُ البَلاء»، وهو: أَقْصَى ما يَبلُغُه الابتلاءُ، وهو الامتِحانُ؛ وذلك بأنْ يُصابَ حتَّى يَتمنَّى الموتَ، وقِيلَ: إنَّه الفَقْرُ مع كَثْرةِ العِيَالِ. واستَعاذَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا مِن «دَرَكِ الشَّقاءِ»، والدَّرَكُ هو الوُصولُ واللُّحوقُ، فكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَستعيذُ مِن أنْ يَلْحَقَه أو يَصِلَه الشَّقاءُ، أو أنْ يُدرِكَ هو الشَّقاءَ والتَّعَبَ والنَّصَبَ في الدُّنيا والآخِرَةِ
واستَعاذ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا مِن «سُوءِ القَضاءِ»، وهو ما يَسُوءُ الإنسانَ ويُحزِنه مِن الأَقْضِيَةِ المقدَّرةِ عليه في الدِّينِ والدُّنيا، والبَدَنِ والمالِ والأهلِ، وقدْ يكونُ ذلك في الخاتِمةِ، والموصوفُ بالسُّوءِ هو المَقْضِيُّ به لا القضاءُ نفْسُه. وسببُ الاستِعاذةِ مِن سُوءِ القَضاءِ أنَّه لَمَّا كان قَضاءُ اللهِ عزَّ وجلَّ وقدَرُه مَخفيًّا عَنِ الإنسانِ، لا يَعلَمُه إلَّا وقْتَ وُقوعِه؛ لزِمَ الدُّعاءُ والالتِجاءُ إلى اللهِ فيما يَخافُه الإنسانُ ويَحذَرُ أنْ يَنزِلَ به، فإذا وُفِّقَ للدُّعاءِ واستجابَ اللهُ له دفَعَهُ اللهُ عنه
واستَعاذَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا مِن «شَماتةِ الأعداء»، والشَّماتَةُ: الفَرَحُ، أي: مِن فَرَحِ العَدُوِّ، وهو لا يَفْرَحُ إلَّا لِمُصِيبَةٍ تَنزِلُ بِمَن يَكرَهُ
ثم ذكر سُفْيانُ بنُ عُيَينةَ -وهو أحدُ رواةِ هذا الحديثِ- أنَّ الحديثَ ثَلاثُ دَعَواتٍ فقط، وأنه زاد واحدةً، ولا يدرِي أيَّتُهنَّ هي، ورجَّح العلماءُ أنَّها «شَماتة الأعداء»؛ لأنَّها داخلةٌ في معنَى الثَّلاثِ