البيع يكون فيه الشرط، فيصح البيع والشرط 3
سنن النسائي
حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكنت على جمل، فقال: «ما لك في آخر الناس؟» قلت: أعيا بعيري، فأخذ بذنبه، ثم زجره، فإن كنت إنما أنا في أول الناس يهمني رأسه، فلما دنونا من المدينة، قال: «ما فعل الجمل، بعنيه؟»، قلت: لا، بل هو لك يا رسول الله، قال: «لا، بل بعنيه»، قلت: لا، بل هو لك، قال: «لا، بل بعنيه، قد أخذته بوقية اركبه»، فإذا قدمت المدينة فأتنا به، فلما قدمت المدينة جئته به، فقال لبلال: «يا بلال زن له أوقية، وزده قيراطا»، قلت: هذا شيء زادني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفارقني، فجعلته في كيس فلم يزل عندي حتى جاء أهل الشام يوم الحرة، فأخذوا منا ما أخذوا
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَعلَمُ أحوالَ أصحابِه مِن حيثُ الغِنَى والفَقْرُ، والضِّيقُ والسَّعَةُ، وكان رُبَّما أَجْرَى معهم بعضَ الأحداثِ؛ لِيُعطِيَهم دونَ إراقةِ ماءِ وُجوهِهم
وفي هذا الحديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عبدِ الله رَضِي اللهُ عنهما أنَّه كان يَسِيرُ على جَمَلٍ له قدْ تَعِب وصار ضعيفًا، وكان ذلك في سَفَرٍ، قيل: كان في فَتْحِ مكَّةَ، وإنَّهم كانوا راجِعينَ منها إلى المدينةِ، فأرادَ أن يُطلِقَه في الصَّحْراءِ، فلَحِقَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فدعا له وضرَب الجمَلَ، فأخبَرَ جابرٌ رَضِي اللهُ عنه أنَّ الجمَلَ أصبَحَ قَوِيًّا وسَريعًا بعْدَ ضَرْبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إيَّاه، ومَشى مشْيًا لم يَمْشِ مِثلَه مِن قبْلُ، ثُمَّ طلَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن جابرٍ أنْ يَشترِيَ منه جَمَلَه بوُقِيَّةٍ مِن فِضَّةٍ، والوُقيَّةُ: قَدْرُها أربعون دِرْهمًا، وتُساوي 201 جِرام تقريبًا، فرفَضَ جابرٌ رَضِي اللهُ عنه أنْ يَبِيعَه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ولكنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كرَّر عرْضَه له، فوافَقَ جابرٌ رَضِي اللهُ عنه، واشترَطَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ألَّا يَأخُذَ الجَمَلَ قبْلَ الوُصولِ إلى المدينةِ، بحيثُ يَركَبُه جابرٌ حتَّى يَصِلَ إليها، فلمَّا وَصَلوا المدينةَ ذهَبَ جابرٌ بالجمَلِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأعطاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ثَمَنَه نقْدًا عندما تَسلَّم الجَمَلَ، ثمَّ رجَعَ جابرٌ رَضِي اللهُ عنه، فأرسَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم خَلْفه مَن يَدعُوه إليه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم له: «أتُراني مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَملَك؟!» والمُمَاكَسةُ: هي المُسَاوَمةُ على البيعِ والشِّراءِ مع المُناقَصةِ في الثَّمنِ، والمعنَى: هلْ تَظُنُّ أنَّنِي سَاوَمْتُك على جَملِك لِآخُذَه منك؟! «خُذْ جَملَك ودَراهِمَك؛ فهو لك»، وكأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُريدُ أنْ يقولَ له: إنَّما أردْتُ أنْ أُوجِدَ سَببًا لإعطائِك مالًا، وكان جابرُ بنُ عبدِ الله رَضِي اللهُ عنهما يَعُولُ أَخَواتِه البَناتِ بعْدَ مَوتِ أبيهِ في غَزوةِ أُحُدٍ. وهذا مِن حُسنِ مُراعاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأحوالِ أصحابِه
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ طلَبِ شِراءِ سِلْعةٍ وإنْ لم يَعرِضْها صاحبُها للبيعِ، والمساوَمةِ على البيعِ
وفيه: اشتِراطُ مَنفعةٍ مُعيَّنةٍ في العَيْنِ المَبِيعةِ
وفيه: أنَّ نَقْدَ الثَّمَنِ يكونُ عندَ تَسليمِ السِّلعةِ
وفيه: مَشروعيَّةُ بَيعِ البعيرِ واستثناءِ رُكوبِه
وفيه: بيانُ أنَّه إذا باع بشَرطٍ لا يَتنافى مع مَقصودِ العقْدِ، جاز البيعُ والشَّرطُ