البيعة على فراق المشرك 3
سنن النسائي
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا غندر قال: أنبأنا معمر قال: أنبأنا ابن شهاب، عن أبي إدريس الخولاني قال: سمعت عبادة بن الصامت قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط، فقال: «أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فيه فهو طهوره، ومن ستره الله، فذاك إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأخُذُ البَيعةَ مِن أصحابِه عندَ دُخولِهم الإسلامَ؛ ليُوثِقَ إيمانَهُم، ويُعلِّمَهم أهمَّ ما يَجِبُ عليهم في أوَّلِ هِدايتِهم
وفي هذا الحديثِ يَحْكي جَريرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه بايَعَ وعاهَدَ رَسولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلَّم عَلى شَهادةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ. ومَعْنى الشَّهادتينِ: أنْ يَنطِقَ العبدُ بهما مُعترِفًا ومُقِرًّا بوَحدانيَّةِ اللهِ، واستِحقاقِه للعِبادةِ وحْدَه دونَ ما سِواهِ، وبرِسالةِ مُحمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلَّم، مُصدِّقًا بقَلْبِه بهما، مُعتقِدًا لِمَعناهما، عامِلًا بمُقتضاهُما؛ هذه هي الشَّهادةُ الَّتي تَنفَعُ صاحبَها في الدَّارِ الآخِرةِ، فيَفوزُ بالجنَّةِ، ويَنْجو مِن النَّارِ
وبايَعَه أيضًا على المُحافَظةِ على أداءِ الصَّلَواتِ الخَمسِ المَفروضاتِ في اليومِ واللَّيلةِ، وهي: «الفَجْرُ، والظُّهرُ، والعَصْرُ، والمغرِبُ، والعِشاءُ» في أوقاتِها، بشُروطِها وأركانِها وواجباتِها
وبايَعَه على أَداءِ الزَّكاةِ المَكْتوبةِ، وهي عِبادةٌ ماليَّةٌ واجِبةٌ في كُلِّ مالٍ بلَغَ المِقدارَ والحدَّ الشَّرعيَّ، وحالَ عليه الحَولُ -وهو العامُ القمَريُّ (الهِجريُّ)- فيُخرَجُ منه رُبُعُ العُشرِ، وأيضًا يَدخُلُ فيها زَكاةُ الأنعامِ والماشيةِ، وزَكاةُ الزُّروعِ والثِّمارِ، وعُروضِ التِّجارةِ، وزَكاةُ الرِّكازِ، وهو الكَنزُ المَدفونُ الَّذي يُستخرَجُ مِنَ الأرضِ، وقيل: المعادِنُ، بحَسَبِ أنْصابِها، ووَقْتِ تَزكيتِها، وفي إيتاءِ الزَّكاةِ على وَجهِها لِمُستحِقِّيها زِيادةُ بَرَكةٍ في المالِ، وجَزيلُ الثَّوابِ في الآخرةِ، وللبُخلِ بها ومَنعِها مِن مُستحقِّيها عَواقبُ وَخيمةٌ في الدُّنيا والآخرةِ، والزَّكاةُ جامعةٌ بيْن حقِّ اللهِ وحقِّ العِبادِ؛ فهي فرْضٌ ورُكنٌ مِن أركانِ الإسلامِ، وفيها قَضاءٌ لحَوائجِ المُحتاجينَ مِن العِبادِ
وبايَعَه أيضًا على السَّمْعِ والطَّاعةِ لِأَحْكامِ اللهِ تعالَى ورَسولِه، بامْتِثالِ الأَوامِرِ واجْتِنابِ المَناهي
وكذا على النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وذلك بالحِرصِ على مَنفعتِه، وإيصالِ الخيرِ إليه، ودفْعِ الشَّرِّ عنه بالقولِ والفعلِ معًا، والتَّقييدُ بالمسلمِ للأغلَبِ، وإلَّا فالنُّصحُ للكافرِ مُعتبَرٌ؛ بأنْ يُدعَى إلى الإسلامِ، ويُشارَ عليه بالصَّوابِ إذا استشارَ
وقدْ خُصَّ جَريرٌ رَضيَ اللهُ عنه بالمُبايعةِ بالنَّصيحةِ؛ لأنَّه كان سَيِّدَ قَومِه وقائدَهم، وقد قَدِمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَنةَ عَشْرٍ مِن الهِجرةِ، فأسلَمَ وتَبِعَه قَومُه، فأرشَدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى النَّصيحةِ؛ لأنَّ حاجتَه إليها أمسُّ
وفي الحَديثِ: النُّصحُ لِلمُسلِمينَ، ومُعامَلَتُهم مُعامَلةً حَسَنةً خالِصةً مِن المَكْرِ والخَديعةِ والغِشِّ والخيانةِ